pregnancy

مسرحية عطيل



مسرحية عطيل
لويليام شكسبير
هذه المسرحية من روائع مسرحيات شكسبير، ومن مزاياها أنها تدور في إطار واقعي إنساني صرف، فليس فيها تدخل لقوى غيبية من جن أو سحرة أو أشباح، بخلاف ما نرى في أكثر تراجيدياته، كمسرحية "هاملت" التي يظهر فيها شبح والد هاملت بعد قتله، ويحرك الأحداث في المسرحية بحديثه لهاملت عن الجريمة التي دبرها أخوه بقتله بالسم؛ ليكون الحاكم من بعده، ويتزوج من زوجته التي شاركته في جرمه، وفي مسرحية "يوليوس قيصر" يظهر شبح قيصر لبروتس – أحد المشاركين في اغتيال قيصر – ويتنبأ له بهزيمته وقتله، وفي مسرحية "ماكبث" تلعب الساحرات بخيال ماكبث وطموحاته في الملك، فتدفعنه لسلسلة من الأحداث الدامية تنتهي بقتله، وفي آخر مسرحية كتبها شكسبير وهي "العاصفة" يكون لبطلها علاقة بالسحر وتسخير الجن، ويوظف قدراته هذه في مواجهة أعدائه، ولكنه بعد أن يتغلب على أعدائه في نهاية المسرحية يتخلى عن كتبه في السحر وعن الجن الذين يأتمرون بأمره، وحتى في بعض كوميديات شكسبير يكون للخوارق دور فيها، كمسرحيته "حلم ليلة صيف".
أما مسرحية "عطيل" فهي من بين تراجيديات كبرى قليلة له لم يستعن فيها بأي من القوى الغيبية، أو بأي خارقة من الخوارق، وجعل هذه المسرحية تدور في محيط البشر، ويحركها الضعف الإنساني ممثلاً في الشعور بالنقص الذي كان ينتاب المغربي عطيل الذي تعرض للعبودية حينًا من الزمان، وتخلص منها، ولكنه كان يستشعر في داخله رواسبها، وكان يغذي هذه الرواسب استشعاره سواد بشرته في مجتمع أصحابه لهم أجساد بيضاء، وينظر أكثرهم له نظرة فيها عنصرية واضحة، حتى إن والد ديزدمونا حين علم بأن ابنته الوحيدة قد تزوجت عطيل دون علمه غضب لهذا النسب، وذم عطيل بلون بشرته، وتبرأ من ابنته، وحذر عطيل من خيانتها له بزعمه أنها كما خانت أباها بزواجها منه فإنها ستخون عطيل أيضًا.
وفي بعض المشاهد بالمسرحية نرى عطيل متشككًا في حب ديزدمونا له؛ لكونه غير وسيم بخلاف أبناء قومها، وبينما نراه استطاع دفع اتهام والد ديزدمونا له بأنه سحر بفنون من السحر المحرم ابنته فخضعت له وتزوجته بأن قال: إنه لم يسحرها، ولكنها انبهرت ببطولاته وحسن خلقه – نراه بعد توالي بعض الأحداث في المسرحية يساوره الشك في حب ديزدمونا له، ويستغل إياجو هذا الضعف الذي لدى عطيل، فيوحي له من خلال حيل يحوكها أن زوجته تخونه مع صديقه كاسيو – وكان إياجو بهذا يرغب في الانتقام من كاسيو الذي فضله عطيل عليه، وعينه مساعده، ويريد أيضًا الانتقام من عطيل؛ لأنه أساء في حقه؛ فقدم من هو دونه في رأيه عليه – وما كان لحيل إياجو أن تنجح لو لم يكن عطيل يستشعر عدم الثقة في نفسه في علاقته بديزدمونا، فقد غَذَّى إياجو إحساسه بالنقص، وحوله لشخص فاقد تمامًًا الثقة في نفسه، فصار متسرعًًا في قراراته يحكم بالظن والشكوك، وينتهي به الأمر بقتل زوجته ديزدمونا الطاهرة البريئة.
ونرى ديزدمونا في نقائها وطهارتها وجمالها كأنها صورة من أوفيليا في مسرحية "هاملت"، التي انتهت حياتها بالجنون ثم الانتحار لقتل هاملت والدها خطأ.
أما ديزدمونا فهي لم تصب بالجنون مع رؤيتها لتغير معاملة عطيل لها لشكه في أنها تخونه، بل كانت تتحامل وتقسم له على براءتها وطهرها، وقبيل موتها كانت تقول لإميليا زوجة إياجو: إنها لا تكاد تصدق أنه يوجد في الدنيا نساء يخن أزواجهن، وأقسمت أنها لو أعطيت كل نعيم الدنيا على أن تفعل هذه الفاحشة ما فعلتها، لقد كانت كما نرى مثالاً للنقاء والطهارة، وكانت شديدة الحب لزوجها حتى بعد خنقه إياها وخلال حشرجتها نفت تهمة قتله إياها.
وأظن أن شكسبير بهذه المسرحية يواجه العنصرية ويرفضها، فهذه ديزدمونا الجميلة مثال الطهر تحب عطيل لشخصه وروحه، لا لشكله، وتخلص له، ولكنه لوجود عقدة النقص لديه بسبب ما يراه من معاملة بعض الناس له في مجتمع غريب عنه – قدره لبطولاته العسكرية فقط – يستشعر اختلافه عن أبنائه، ويغذي هذه المشاعر فيه سوء نظرة بعض الناس له؛ ولهذا لم يقبله والد ديزدمونا زوجًا لها، واضطر أن يتزوجها رغمًا عنه ودون علمه.
وأظن أن هذه المسرحية من أقدم المسرحيات العالمية التي عالجت قضية العنصرية بوجوهها المختلفة، فها هو ذا عطيل المغربي أهم قائد عسكري تعتمد عليه مدينة البندقية وهو يخلص في دفاعه عنها، وتغرم به ديزدمونا الجميلة الطاهرة لحسن خلقه ولقصص بطولاته في ساح القتال، ولكن المشكلة عند بعض الناس الذين توارثوا النظرة العنصرية كوالد ديزدمونا وإياجو، وفي شخصية عطيل الذي نراه رغم وصوله لأعلى المناصب العسكرية في مدينة البندقية – إحساس بالنقص، فجره إياجو بحيله الخبيثة، كما قلنا من قبل.
أما شخصية إياجو فهي – في ظني – أكثر شخصية شريرة رسمها شكسبير في مسرحياته، وهو يحرك الأحداث في المسرحية، وحضوره بالمسرحية أكثر من حضور أي شخصية أخرى فيها، بما في ذلك شخصية عطيل نفسه.
وإياجو شخص مريض بالغيرة، فهو لم يحتمل أن يكون كاسيو مساعد عطيل، ويكون هو مجرد حامل العلم له، وبسبب هذه الغيرة فيه سعى للانتقام من عطيل وكاسيو، فاستغل عقدة عطيل بالنقص، فأوهمه أن زوجته تخونه، ولما في طبيعة عطيل من التسرع وعدم الثقة في نفسه فقد انقاد لخداع إياجو له.
ويرى بعض الباحثين أن الشر الذي في شخصية إياجو ليس مبررًا بقدر كافٍ، وأنه كان أشبه بالنمط الشرير، ويرى باحثون آخرون أن إياجو يعكس لا وعي عطيل الذي لديه عقدة نقص مع بطولاته الكثيرة؛ لكونه يعيش في مجتمع يختلف عنه في لون البشرة والنظر للأمور.
وفي رأيي أن إياجو مثال للشخص الخبيث الغيور الماكر الذي يسعفه ذكاؤه في عمل الحيل الشريرة، ولكنه مع تماديه في شره ينكشف أمره في النهاية، وينال جزاءه كما حدث في نهاية هذه المسرحية.
وهناك بعض تشابه بين شخصية إياجو في هذه المسرحية وشخصية كاسياس في مسرحية "يوليوس قيصر"، فكاسياس أيضًا شخص يأخذ الرشا ويعمل الخدع ويوهم بروتس النقي أن قيصر يكرهه الناس ويجب قتله، وينخدع بروتس بحيله، ويشترك في قتل قيصر، ولكن كاسياس مع نهاية المسرحية يجعله شكسبير فيه قدر من النبل، وينعى بروتس قتله لنفسه حين تأكد من هزيمة جيشه، ويصفه بأنه من أعظم نبلاء روما، أما إياجو فهو شخص يخلو من أي نبل وحسن خلق، وهو أقرب للنمط الشرير، ولكنه نمط لا يدعو للفكاهة بل للكراهية والمقت.

إعداد عصام كحيل

شكرا لتعليقك