آلام متلاحقة
............................
ولدت طفلًا بهيئة رجل بملامح عجوز .
بمشاعر وتنهدات عميقة المدى..
لم تزل أصوات أمي عالقة في حنجرتي
في صرختها الأولى حين أبصرت هذه الدنيا كنت خاليًا من كل شيء يربطني
بهذه الحياة لا أسم لي ولا هوية لي وربما لاوطن لي...
حَررت نفسي وخرجتُ قبل أخي ب 7 دقائق
ناسياً شعور الأخوة ومن سيكون سلطانًا في هذا الزمان ..
كبرت وكبرت كل مشاكلي وهمومي والأكبر من ذلك السر الذي أخفوه عني بأنني كنت سبب وفاة أخي لقد أخذت كل شيء غذائه ملامحه وحتى أسمه المنسوب له..
لن أسامح نفسي للمرة الأخيرة..
قررت الرحيل لأن الندم يأكلني مثل حشرة تقع في مصيدة عنكبوت جزارة لاتعرف طعم الإستسلام كل همها أن تطعم صغارها وهي تعلم انها ستلتهم مثلي..
في قريتي الصغيرة المتكأة على خاصرة الشرق والمنسية في أعين الليل والحاضرة في خيوط الشمس بريقٌ يلمع في ألحاظ أعيني
ذاك الطريق أعرفه جيدًا كان يقسم بين الأرض وبين الخضار وأطواق النمل متجهة للأمام مثل فريق الإنقاذ مشيت أتبع خطواتهم الصغيرة كلها قوة وأرادة ..
قررت أن أستسلم لوعورة الطريق وأكون أول من يخرج من قريتي باحثًا عن الحياة
لا أخفي عليك بأن الموت يحدق بأبناء قريتي ويلتهمهم واحدًا تلو الأخر لا أعلم اذا كنت أنا منهم او إذا خرجت سأكون من الفائزين بالنجاة
أعلم أنني إذا بقيت هنا سأخسر كل شيء.
ماذا سأخسر..
الحياة ستعوضني..نعم ستعوضني
رُغمَ كل هذهِ الجراح المحشوة في صدري.
بدأت بالسير محاذيا السنابل الخضراء
كانت شامخة رغم كل العطش
والحرّ الشديد..
في أول الطريق كنت أغني أصرخ
أركض أسعل ألهث أبكي ألطم نفسي أسابق ظلي أرجع إلى الوراء أتعثر بقدمي..
هكذا إلى أن حل المساء
وأرخى ستائره البنفسجية المخيفة
لملمتُ بقايا الأغصان اليابسة
المنسية في حُجر الأرض والأعشاب توغلت
فيها....أوقدتُ نارًا وجلست
كنت أصطحب معي كتابا بعنوان في سبعة أيام لشاب كان حلمه أن ينجز شيء
رغم محاولاته البائسة ..
فتحت أول صفحة
وقرأت له أول ماخطت يداه..
سامحيني..
إذا أحببتكِ بكل هذا العنفِ..
فأنا لا أجيدُ المطالعة في فنون الشعر كثيرا..
كل مالدي بعضٌ من الكلمات وقليل من الحبر..
أنا لست ممن ينتظرون الوداع..
ليلوحون له مودعاً لا حول لي ولا قوة...
سامحيني يا صديقتي..
لأنني سأقتل يوماً ما على يد أبناء قريتي..
لأنهم لا يعلمون ماهو الشعر..
فهم مشغولون في النزاعات والحروب..
أغلقت الكتاب بهدوءٍ تام
زوبعات الحزن عصفت بي
وبوجداني وهزت أركان مملكتي
يا إلهي كم أنت وحيد ومنسي..
ماذا أصاب هذا العالم العقيم الذي لم يلد لك شي رغم وجود كل شيء...
حاولت أن أغلب حزني
وأتجرأ مرة أخرى أن أقرأ له
ما من فائدة فالنعاس قد غلبني بشدة...
حضنتُ كتابه الصغير وغفوت في أول صفحةً لهُ والنجوم فوق رأسي تقدح بشدة
والقمر يسطعُ بالنور ويتلألأ..
في الصباح الباكر إستيقظتُ على أصوات
غريبة أسمعها لأول مرة كانو يغنون ويرقصون
إنهم الغجر كانت معهم عرافة
تلك العرافة أعرفها
كانت تزورنا وتبصر في فنجان أمي وتخبرها عن مستقبلي بما أنني كنت وحيدها..
شفاهي جافة كالصحراء من قهوة أمي التي كنت أتذوقها خلسةً في صباحها
ظمآنةٌ روحي لتلكَ المرارة والإشتياق يعصرُ وجداني ويلملم بقايا أملً..
قطراتٌ تحرقُ عيني لتفسح غمامة الحنين
تلكَ العرافة تكشفني وتقرأني
في فنجانها وفي أحجارها
تقرأني من جبهتي من لون عيوني
من هذيان جسمي...
گالموجِ الثائر كنت أتخبط بين يديها
وترميني في قَعرِ فنجانها الأسود.
أخاف السقوط مرةً ثانية
في أحضان من لا أهوى..
أخاف الضياع بين تعاريج اليدين
كعادتي لا أطيق الإنتظار..
ما زالت تلك العرافة ترفض أن تخبرني.
عما يخطر ببالها تجاهي ..
تجاهلتها واختلطت بالحشود لفت إنتباهي وسط كل هذا الإزدحام الشديد فتاة كانت تفتل بجدائلها الملقاة على كتفها الناعم
لم أرَ بجمالها من قبل مع العلم أنني حين كنت صغيراً كانت تحكي لي أمي قبل أن أنام قصة قصيرة من ضمنها تلك الفتاة الغجرية
من شدة جمالها كان الناس يعتبرونها المنارة التي يهتدون بها كان الكل يتمنى أن ينال منها نظرة أو كلمة..
إقتربت منها وسألتها ماهو أسمك..؟
قالت لي جوليا..
دهشتُ لهذا الأسم أعلم أن الغجر لا يسمون أنفسهم هكذا...!!!
كل أسمائهم عابرة ومتنقلة
مثل ترحالهم وتقاليدهم..
قالت لي فَقدتُ أهلي منذ صغري ووجدوني مُلقاة تحت شجرة فأخذوني معهم وأنا الأن أعتبرهم أهلي وربيت بينهم
وتعلمت منهم الرقص التبصير ..
أأبصر لك...
مَددت يدي لها وكاد قلبي
يخرج من أضلعي
ويهرب بعيداً..
لمست يدي وبدأت تبحث بين تعاريجها
عن خطوط لعلها تخبرني بشيء...
جُل ما قالته لي أنت محظوظ يافتى..
إنتهى كلامها بقطعة نقدية صغيرة..
من التالي..
سؤال يطرح نفسه للمرة الألف ويرميني في غياهب أفكاري من سيكون الضحية..!!
وعلى عاتق من ستكون المسؤلية
لماذا عندما يطعن قلب أحدٍ نتيجة أحلامه
المدينة الأخرى لا تحمل الشموع
وغصن زيتون وتعلن الحِداد لأجله
قررت أن أكسر أطواق النجاة
الملتفة حول عنقي
في لحظة تائهة الفكر بأنها ليست سوى
طوقٌ يخنقني
تلك الخيوط تنهش في عقلي
ماذا لو أيقظت ذلك الشخص النائم في داخلك قليلًا الغارق في أحلامٍ أصبحت أزليلة
يارب كيف للمدينة أن تغفو
وهناك طفل جائع وأنثى ثكلى
وآخر يتيم وأخر قد جفاه النوم لأسباب عديدة
الليل يلملم أظافره ويهرب بعيدًا
والشوقُ ينطوي بوشاحه القرمزي
ويلملم خلفه بقايا قلب عاشقٍ
تيمه الشوق والغفران
والمكاتيب التي كنتُ أرثيها بمقلتي
لازالت منبثقة في راحة يدي
كنتُ غارقًا في عالمي الصغير
عالمي الذي بدأ بيدِ أنثى غجرية
كنت أنتظر الصباح بفارغ الصبر
اريد أن أراه لأسأله عن جوليا
قررت أن اصارحها مهما كلفني الأمر من ذلة
من أنتِ ياجوليا....
ليلة أمس وقد غاب الناس في صمت عميق...
ولم يعد يسمع الآهات..
وريقات خضر النسائم حلوه...
وانساب من بين حنايا المنازل..
ظلال الأنوار خافتًا..
و انسابت عبراتي تغسل وجهي المتعب..
بعد طول عذاب ومشقة السفر
لاحَ نورٌ في الأفق البعيد وكأنه الغسقُ
خرجت جوليا من حجرتها
وشعرها البني قد غطى نصف وجهها
في ليلة حجب القمرُ واستظمأ
لنصفها الأخر..
والليل تراقص في أعينها الشهلُ
ليستبيح النور منهما..
قطراتٌ من الندى تسكبُ حميمها
على كرسي خدها الناعمِ...
إقتربت منها قليلًا...
كُنا نرنوا إلى بعض
في صمتٍ عميق كنا نختبر بعض بحذر شديد
من ينوي أن يمنح قلبه للأخر..
تلك المدة كانت قصيرة جدًا وأحداثها شيقة
وَجدت نفسها مرمية في عالمي الصغير
منذ أن صارحتها بحبي لها
عضت على شفتيها وراقصت حاجبيها
إنحنت بِرأسها على كتفي كحمامة ببضاء
من فرحتي لم أدرك ماذا فعلت
أخذتُ بيدها وركضنا بعيدًا.
إنتهت بِنا المسافة عند كوخ خشبي
مهجور منذ أعوام والياسمين يتكئ عليه
ما إن وصلنا الكوخ حتى إرتمت جوليا في أحضاني وكأنها طفلة صغيرة ....
كانت دقات قلبها تخبرني بكل شيء تعانيه
للحظة الأخيرة ويدي لم تفارق يدها
..عند الفجر لفظت أنفاسها الأخيرة وخرجت من عالمي
لأن من في السماء قد إشتاق لها
وعاهدت نفسي أن من بعدكِ
لن تتجرأ امرأة عن إيقاظ نار الوجد في قلبي
سأبقيك في داخلي طفلة مستحيلة الولادة
وطعنة سرية في صدري لا يشعر
بها أحد غيري...
جعلك القدر
دمعة في عيني ترفض الخروج وتقتلني...
نامي ياصغيرتي.. سأحرسك من بعيد
فالعشق من بعدك قد غادرني..
........
بقلمي_
مهدي رستم
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء