حوار مع الباحث التاريخي ( نزار مصطفى كحلة )
الجزء الثاني .. ( تتمة 1 )
" تاريخنا العربي أكثر نصاعة من تاريخ الشعوب الأخرى )
السؤال الرابع : كيف نوظف التاريخ لبناء موقف وجداني موحد اتجاه مايجري في منطقتنا العربية وخصوصا فيما يتعلق بالكيان الصهيوني ؟ هل هو مفيد حقاً ان نعود الى حقبة لا تتقاطع مع ما يجري اليوم ؟
* نزار كحلة : ان عملية التوظيف التاريخي تكون على الوجه الأمثل عندما نستطيع ان نسلط الضوء على الفترات الايجابية في سجلات تاريخنا ، فالحقيقة إن التاريخ متهم بأنه ذو بصمة سوداء بسبب ما تعرض له من تزييف وتدليس وفي ذلك الكثير من الجور والظلم حياله ، عادة من يدعون هذا الكلام هم الناس الذين يشوهون تاريخنا العربي خصوصا ويكتبون أحداثاً غير واقعية عنه فلا يكون لديهم الاطلاع الكافي على زواياه ، كما أنهم يتابعون الاخبار السيئة كالقتل والارهاب والدمار ويقومون بتعميمها بشكل اجمالي عليه ، ربما لم يكن هذا التاريخ ليوصف بأنه تاريخاً اسوداً لو ان باحثا حقيقيا قد أجرى مقارنة بسيطة ما بين تاريخنا وتاريخ الشعوب الاخرى ، فباعتقادي سيكتشف بأنه اكثر نصاعة ولو تم التركيز على النقاط الايجابية في صفحاته لاستطاعت ان تعطينا الكثير من العبر والدروس التي لا تسمح بوجود الكيان الصهيوني في أرضنا العربية مطلقاً .
السؤال الخامس : في مغامرة سيرك البحثي .. هل تتبع اسلوب التنقيب والتفكير والتأمل ، أم انك تتقفى أثر ماهو متاح من مصادر جاهزة سابقة وتثق بها ؟
* نزار كحلة : إنني اتبع الطريقتين معاً ، في الحقيقة ، لم اشارك يوما العمل مع البعثات في التنقيب اليدوي عن الاثار ، لكنني اتابع ما استطيع الحصول عليه من نتائجها بالاعتماد على بصيرتي في قراءة خلفيات السطور التي تكتب نتائج هذه التنقيبات ، الا انني لا استطيع الحصول على كل المعلومات ، فلذلك كنت مضطرا للبحث في المراجع والكتب التي يكتبها المؤرخين ويتم هذا بمنتهى الفحص والدرس والاستقراء وامتلاك الخبرة الكافية للتمييز ما بين المؤرخ الجيد وذاك السيء الذي تخلو ابحاثه من منطقية الاحداث وترابطها ، فمن لديه الذخيرة الكافية من المعلومات يستطيع ان يميز التاريخ الحقيقي من التاريخ المدسوس ، ولهذا ليس كافيا القيام بالبحث والتفكير والتأمل عند ممارسة التأريخ بل يحتاج هذا الأمر اللجوء الى وسائل اضافية مساعدة كالمراجع والمصارد التي اعتقد أن باستطاعتي تمييز الغث من الثمين منها .
السؤال السادس : كيف جمعت بين التاريخ والتخدير في كتاب واحد ؟ ماهي الدوافع ؟ وكيف وجدت ردود الفعل من المهتمين ؟
* نزار كحلة : يجبر الانسان في حياته احيانا على اعمال لا يهوى امتطاء شراعها ، فلم تكن دراسة التخدير في لائحة رغباتي لكن في نهاية الامر احببتها واتخذتها كعمل يومي ، لكن هاجسي وشغفي لمادة التاريخ دفعني الى دراسته اكاديميا ، فتغلغلت تفاصيله في كياني واصبح مجال عملي الفكري اليومي الى ان فاجأني أحد الاشخاص يوما بسؤاله لي ، كيف استطيع الجمع ما بين التاريخ والتخدير ؟ .. في الواقع حقا يوجد مسافات شاسعة ما بينهما ، فجراء هذا الكلام تكونت لدي فكرة بإلقاء محاضرة اتحدث بها واستعرض تاريخ التخدير منذ فكرته الاولى ، فمراحل تطوره تدريجيا وصولا الى يومنا هذا ، فقمت بالفعل بألقاء المحاضرة على اكثر من منبر من منابر سلمية الثقافية حيث كانت الأصداء جيدة وايجابية فقد ابدى المستمعين والحضور رغبتهم الظاهرة في معرفة هذا التاريخ التخديري ونتيجة لذلك الاقبال من الحضور سارعت باعداد وتأليف كتاب بعنوان " التخدير والانعاش عبر التاريخ " وهو من اكثر الكتب التي لاقت رواجا وانتشارا نظرا لما يحتويه من معلومات وفائدة بالاضافة الى المتعة والتشويق في قرائته .
السؤال السابع : رأى الكاتب الامريكي " برنارد لويس " أنه ليس للمرأة العربية عبر التاريخ دور بارز في الحكم والسيادة .. فقد قمت بنفي تلك النظرة المجحفة بحق المرأة بكتاب " ملكات عربيات عبر التاريخ " .. فما هو دور المرأة العربية في التاريخ ، ولماذا تضاءل الاسهاب في تفاصيل المراة السورية الحاكمة في هذا الكتاب ؟
* نزار كحلة : حينما كنت اقرأ عن طريق الصدفة كتاب للكاتبة المغربية " فاطمة المرنيسي " تتحدث فيه عن النساء العربيات بشكل عام ، وقع نظري في مقدمته على هذا الرأي عن المرأة للكاتب اليهودي " برنارد لويس " فهنا يأتي كلامه غير الصائب وغير المحق بهدف إبعاد المراة العربية عن الحكم وادراجها في زوايا النسيان وغياهب الظلمات ، وذلك في سياق حملة التشويه التي لاحقت تاريخ المنطقة العربية ضمن مايسمى بالاستشراق السلبي . فأثار هذا الكلام حفيظتي وكنت حينها قد انجزت كتابي الموسوعي " المراة في التاريخ ما بين التأليه والتوبيخ " وهو كتاب ضخم جدا تضمن في سياقه ترجمة لحوالي 500 امرأة ، حيث اعددت على هامشه كتابا آخر وقد اسميته " ملكات عربيات عبر التاريخ " وكانت فكرته الأساسية بان الملكة هي من استطاعت النهوض بالحكم على وجهه الامثل بالفعل عندما اتيحت لها فرصة في قيادة الدولة ، فربما استطاعت الملكة ان تقوم بممارسة سلطتها في فترات مرض الملك ، او ربما بتفويض مباشر منه لاهتمامه بقضايا أخرى ، او لوفاته او لاستلام ولدها اذا كان سنه صغير ، وهكذا فقد تمكنت الملكة الحاكمة من تقويّم خط سير الدولة التي تخطو باتجاه الفناء والدمار فتفوقت على الرجال واستطاعت ان تبزّهم في الحكم ، أما فيما يخص الملكات في تاريخ سوريا فلم يحتوي الكتاب الا على بعض الملكات الذين لم يتجاوز عددهن الاربعة ، فالكتاب يؤكد على تراجع دور المرأة شيئا فشيئا ، لكن هذا لا يعني أنه لم تكن ثمة نساء حاكمات وهو ما ينفي ما ادعاه هذا الكاتب المتصهين برنارد لويس .
( يتبع ) .
إعداد وتحقيق :الإعلامية رؤى حيدر
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء