pregnancy

خروج المارد من الفانوس الأزرق








خروج المارد من الفانوس الأزرق 
...................................................................................

ماذا قالت رئيسة الكيان الصهيوني غولدا مائير عنا "إن العرب لا يقرأون واذا قرأوا لا يفهمون واذا فهموا لا يفعلون" لهذا لا عجب أن تزخر وسائل التواصل الاجتماعي بالخطب والمحاضرات العصماء والشرارات القادحة التي تحي الضمائر أو تميت، هم مطمئنون أن كل هذه الهرولة داخل الصندوق أي داخل الفضاء الأزرق ولن تحدث أي تغيير يذكر على الأرض الواقع و(المية تكذب الغطاس) وفق المثل المصري الدارج. الواقع فعلا لا يتغير بوسائل التواصل الاجتماعي. هذه الشبكة العنكبوتية ليست أكثر من تلفاز بتحكم وتفاعل أكثر، هو للتسلية أكثر بكثير من الاستفادة العقلية والفكرية فما بالك بالتغيير على أرض الواقع.

في الماضي كانت بضع قصاصات (مناشير) مرمية على عجل وكتابات على حيطان المعامل أو المدارس كانت تقلب الحي رأسا على عقب، وتؤرجح الأفكار والفلسفات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، كان للكلمة وقع الصخر لأننا لم نكن يومها مستباحون إعلاميا وفكريا والأهم من ذلك اجتماعيا، كانت الأسرة في ذلك الزمن أسرة وكانت العائلة عائلة والقبيلة قبيلة، سيعترض البعض على سقياي لتلك الأيام والمكونات (البدائية) نعم أنها قد تكون كذلك لكنها أفضل بكثير من التفكك الاجتماعي الذي بدء يتغلغل في مجتمعنا بهدوء وتدرج كما السم في بدن سقيم اصلا.
أصبحت البيوت متناثرة مع أنها تكتظ بذات المكان، أصبح الأفراد غرباء مختلفين متنافرين مع أنهم أشقاء أو أقرباء، أصبحت الصداقة صداقة مصالح لا صداقة قلوب وأفكار. 
كل هذا الكم الهائل من الأشخاص والأشياء لا يساوي إلا رقم واحد لأن كل واحد غير مضاف للآخرين 

إن إعادة التشبيك واللحمة الاجتماعية لا تكون بالشكل فنقفز من بيت إلى بيت ونحن غير شاعرين بأي منها، أو إلقاء التحيات بكثرة وعلى عجل دونما محبة داخلية حقيقة أو موقف. 
هذا الكم الكبير من الأصدقاء هو مجرد كذبة كبيرة الأفضل أن نختصر ونختصر فنصبح منتمين للصداقة ومسؤولون عنها.
علينا حقا إعادة تشكيل الزمان بأرواحنا والمكان بعملنا، فمن جهة نقوي من المحبة ونرفع مستوى الضمير، ومن جهة أخرى نعمل ونبني بإخلاص ولو كنا خلف المكنسة (مع كل الاحترام لفنيي النظافة).
حتى الآن لازلنا مارد هائل (الجمهور أو الشعب إن شئت) داخل فانوس صغير (التلفاز، الموبايل، ووسائل التواصل الاجتماعي) آراء كثيرة وأفكار متماوجة ومضطربة لا تعرف قرار ولا تدرك موقف.

كل هذا الفضاء لا ينفك وهما" حتى نفيء إلى رشدنا، إننا  في هذا الكون مع إخواننا من البشر الكنز الحقيقي من الحياة.

هذا العامل معي أو زميلي في الحقل أو الوظيفة، هذا العابر في الحي بقربي هو ليس مجرد رقم أو وجه مألوف، أنه إمكانية مجتمعية ومشروع موقف، إنني به اتكامل وأصبح أقوى في وجه المحن والفتن وعيوب الزمان.
كيف لي إذن أن أبتعد أو أزدري؛ حتى لو كان المظاهر لا توحي بالخير بل توحي بالخيبة والفشل والإنتكاس علي أن أقبله وأن أجد له مكان في قلبي. 

أن أقبل عيوبه قبل خصاله، فإن لم أفعل ولم يفعل بقيت القطيعة وساد الهجران، وضاعت إرادتنا لصياغة موقف موحد تجاه قضايا الوطن إلى الأبد. ولهذا لابد من أن تكون لنا علاقات اجتماعية حقيقية ذات بعد مجتمعي، هدفها يتعدى الصداقة إلى بناء الإنسان والمجتمع.
إن المسألة ليست بالكم بل بالنوع فكلما كثرت العلاقات والمجاملات الظاهرية قل عمقها وانحلت روابطها.
كذلك كلما أحكم اليأس من بعضنا البعض قبضته علينا بعدت المسافة واختفى الطريق. 

ولأن هاجس الكم يؤرقنا، كم المال، كم الأصدقاء، كم الوساطات أصبحت حياتنا تفتقر إلى النوعية. فليس المطلوب أن تكون (عمدة) المدينة بل أن  تكون حقيقيا" أمام نفسك وأمام من تحب وتعرف، فتصبح زردة في درع يتلقى الطعنات، وحلقة في ساعة متكاملة تواكب الزمن.
حين أكون حقيقيا فبإمكاني أن أنتج أشياء حقيقية، ولكن حينما أكون وهما أو كاذبا فلن أنتج إلا السراب.
إن ذلك ينعكس على حياتنا الإلكترونية وعلى صداقاتنا الافتراضية، فإذا كنا حقيقيون وذوي ظلال في الواقع كنا كذلك في الفضاء الأزرق.
 وهذه الحقيقة هي بالضبط جسر العبور من العالم الافتراضي إلى الواقع، فنحن نرغب بالولادة ثانية ويرغب آخرون باكتشافنا، والأروع أننا معا نريد أن نغير الحياة نحو الأفضل.
هذا المارد لا يزال في الظل متعفرا بخجله بفطوره وآثامه، يظن أن لا وسام سيزور الصدر ولا واقع لنا، لكن المارد قد يخرج  يوما من الفانوس، هذا الأمر ليس مستحيلا، وكلمات غولدا مائير قد ترد عليها في قبرها فنحن أمة التحولات الكبرى.
احتمالات عديدة للبداية لكن تحركنا المجتمعي لن يتحقق إلا عند نكراننا للمادة والمظاهر المزيفة لها، أن نتقبل فقرنا وصيامنا وعزتنا، أن تصبح ثيابنا الرثة ورائحة جوعنا وسام شرف لنا  
  قد تكون البداية في اصغاء أكثر أو حب جديد هذه المرة للمجتمع أو رفض للعبودية الجديدة، التي يحاولون ترويضنا لقبولها
هذه المرة قد نكون نحن 
نحن من جديد 

علي حسين الحموي
شكرا لتعليقك