أصوات الناس.
.......................................................................................
أحرقنا دفاتر الذكريات من غير أسف، فما تشتمل عليه لا يصلح زاداً لأيام آتية تليق بمخلوق بشري، ونقمنا على حب يحوّل المصابين به دمى وشرايين يتدفق فيها ماء بارد، وتذمرنا من فقر يرافقنا صغاراً وكباراً ويأبى التخلي عنا وعن قبورنا، وطردنا الهم والغم ليحل محلهما جوع ذو أنياب ومخالب، وتباهينا بغضب لا يخيف غباراً، ونبذنا شوارع لا تهب متسكعيها إلا التعب والإعياء والخيبة، وسئمنا سحباً سوداً تتعمد حجب نور الشمس كأنها متفقة مع شركة الكهرباء على تكبير فواتيرها المستحقة، وازدرينا صحفاً تستهين بنا كأننا بغير عقول زاعمة أنها صوتنا المدوي والناطقة باسمنا والمدافعة عن حقوقنا غير المعترف بها، واستسلمنا لجراد مسلح بأحدث الأسلحة يفترس الرجال والأطفال والنساء، ودهشنا من سجائر ونراجيل ناكرة للجميل ترسلنا إلى أطباء حفاري قبور، ودخلنا مطاعم يباع فيها الخبز اليابس بأغلى الأسعار، فسخر المؤرخون من دهشتنا قائلين : إن تلك المطاعم هي التي ستسود في المستقبل القريب، وحُذرنا من قمر وشمس يفاوضان خفية شركة تجارية كبرى لتتولى بيع نورهما، فلم يستنكر أحد سلوكهما بحجة أن العصر الحالي عصر بيع وشراء، وأمرنا العصافير السجينة في الأقفاص بأن تغرد مرحبة بشمس يوم جديد, فغردت العصافير مطالبة بما يؤكل، واصطدنا دباً، فأحب الدب صياديه، وبات معلماً للرقص، وظنت أيدينا أنها دفنت موتانا، وتبين لنا فيما بعد أن الموتى هم الذين دفنوا الأحياء، وتعجبنا من وطن غريب الأطوار يجوّع أبناءه المخلصين ويهب خيراته لأبناء مجهولي الآباء.
للكاتب زكريا تامر
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء