كاتب_وكتاب_من_بلدي
لعبة الأقنعة في واقع مفضوح
.......................................................................................
- في البدء كانت الكلمة ومنها العلم والحوار والعمران والبنيان والتعارف والتثاقف والتعاون بين الجميع.. فبلدي هو كل الكوكب الأرضي بمن فيه وما فيه، هو وطننا وبيتنا ،ومنه ننطلق إلى الكون الفسيح لنجعل الحياة متعدّدة الكواكب، فالله تعالى يقول في كتابه الكريم:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ﴾ الروم - 20
والانتشار يكون بالطموح الممنهج المترافق مع العمل والعقل والفكر، وتعميق المعارف وتمكين الثقافة، وتقوية الحضارة الشاملة في المجال الإنساني العمراني الإيجابي.. فالأرض هي مهد الإنسان، لكن هل الطفل يبقى في مهده وسريره عندما يكبر؟ إنه ينتشر ويعلو ويسمو وينتج ويبدع.. هكذا الحياة الرشيدة والحضارة الصحيحة، والثقافة الإنسانية الإيجابية.
-خواطر صحفية كتاب للأديب الكبير حسين حموي صدر منذ أكثر من ربع قرن، ورصد فيه المؤلف هموم الإنسان وحياته ومعاشه وعذاباته، وحالاته المتنوعة في الحضارة والتعليم والتربية والثقافة والفلسفة والسياسة والأدب والفكر والمقاومة..، لاسيما هموم الإنسان العربي في تلك الشروط الزمانية المكانية، بتلك الفترة الحضارية، ونستدل عموماً أن الواقع العربي والعالمي انتكس وتراجع عموماً وخاصةً في المجال العمراني المادي والمعنوي والإنساني .. وأهم تلك التطورات :
1-
تطور إيجابي تقني معلوماتي اتصالي..
2-
تطور سلبي فوضوي في المجال الإنساني العالمي لاسيما في هندسة الإرهاب وصناعة الاستعمار وطبخ المرتزقة على شكل تحالفات دولية وعصابات إجرامية عابرة للحدود والقارات ،تقوم بتخريب البنيان ونهب الموارد ولها تكنولوجيا خبيثة في تدمير الدول والحكومات والمجتمعات بآليات متعددة منها آلية التدمير الذاتي بالمحارق النازية المعاصرة المصنوعة من الدول الاستعمارية الإرهابية الأوروبية الأميركية وأذنابها تحت مسمى حقوق الانسان ومكافحة الإرهاب ..
- وجاء في كتاب خطرات في دفتر الصحافة ما يلي :(في زمنٍ كهذا يغدو فيه الإنسان العربي، كماً ورقماً في سجل لا ينتهي من الأصفار الهامشية، وحركاته منعكسات لا إرادية، لأنها لا تخرج من دائرة المخ والجملة العصبية، بل من دائرة الإيعازات الماريشالية، والأوامر الملكية والأميرية.
في زمن كهذا، يتحول فيه الكائن البشري إلى ما يشبه الدمى في مسرح العرائس، تتحرك كما يراد لها لا كما تريد هي، بحيث لا تلامس أقدامها الأرض، ولا تحسس حرارة التراب والصخور والماء.
في زمن كهذا، يصعب على العقل العربي مهما كان يمتلك من معارف التكنولوجيا والالكترونيات أن يرسم الخارطة الجيولوجية للمنطقة العربية ويتعذر عليه تحديد تضاريسها السياسية والتوزيع الديمغرافي لسكان هذه المنطقة على المدى البعيد القريب، ولا غرابة في ذلك فكلّ شيء أصبح مرجرجاً كسطح الزئبق، مهندماً كالخطوط المنكسرة تبدأ تلك الخطوط في غور الانهدام، حيث كان تشكّل النواة الأولى للخلايا السرطانية، في فلسطين العربية، ولا تنتهي في حدود النيل والفرات وكامل التراب العربي، بل تستهدف الوجود العربي برمته.
ولا ندري إلى متى سيستمر عصر الإرهاصات والانكسارات والزئبق؟
لا ندري إلى متى سيعيش الإنسان العربي حالة النزق والعصبية والرؤية الأحادية، والنظرة الدونية، لمن هو دون مرتبتنا وإن كنا نعرف في قرارة أنفسنا أنه أفضل منّا ثقافة وسلوكاً ووطنية؟
لا ندري إلى متى سنستمر في لعبة شدّ الحبل ولعبة الأقنعة، وتمثيل الأدوار في الحفلات التنكرية؟
لم يعد ثمّة مسافة بين النهار والليل، لم يعد ثمّة فواصل بين الأبيض والأسود، لم يعد ثمّة تحديد لإشارات الاستفهام والتعجب على خارطة هذا الوطن العربي الكبير.
وأصبح كلُّ شيء يدعو للريبة والدهشة.
لا بل أصبح المضحك مبكياً والمبكي مضحكاً في عالم النقائض والتلاقي على الموائد المستديرة.
قليلاً من الخجل، أيها الغارقون إلى آذانكم بالملذات، والوطن يسحب قطعة قطعة من قلوبنا.
قليلاً من الخجل أيها النائمون الصامتون على آلاف الاستغاثات التي تنادي –وا معتصماه- يومياً من داخل الأرض المحتلّة وخارجها، ولا من يسمع ولا من يجيب.
كل شيء يدعو للسخرية حقاً، كل شيء يدعو للدهشة والغرابة، والمضحك المبكي في كل ذلك، اننا رغم كل الذي يجري، مازلنا نمارس حرفة التمثيل، ولعبة الأقنعة في الحفلات التنكرية الليلية).(منقول)
منقول من كتاب: خطرات في دفتر الصحافة، الأديب حسين حموي، دار ابن هانئ، دمشق، سوريا، ط1، 1993م، ص24-25.
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء