pregnancy

إسهام الحضارة العربية في تشكيل الحضارة الأوربية(٢)






إسهام الحضارة العربية في تشكيل الحضارة الأوربية(٢)
......................................................................................

لقد وصل العرب إلى اسبانيا عام 711م. 
وبعد نصف قرن فقط من إقامتهم هناك راحوا يشكلون امبراطورية سياسية وثقافية واسعة عاصمتها قرطبة.

وكان ذلك في ظل السلالة الأموية التي هربت من المشرق لكي تستقر في الأندلس. من المعلوم أن الحضارة الإسلامية كانت قد عرفت كيف تستفيد من العلم الإغريقي وتنقله إليها خلال القرون الثلاثة الأولى للهجرة ولكنها لم تكتف بعلم اليونان وإنما اطلعت على ثقافة فارس والهند أيضاً.

لقد عرف المسلمون الذين اشتهروا آنذاك بتسامحهم وانفتاحهم على الثقافات الأخرى كيف يصهرون كل هذه المعارف والعلوم في بوتقة اللغة العربية. لقد عرفوا كيف يجعلون من العربية لغة علم وفلسفة وليس فقط لغة شعر وأدب ودين وفقه..

وقد اكتشفوا المنهج التجريبي منذ ذلك الحين. وكان خلفاء المسلمين قد رعوا العلوم والفلسفات وشجعوا عليها في بغداد أولاً ثم القاهرة ثانياً. ففي بغداد أنشأ المأمون بيت الحكمة، وهو عبارة عن مركز للترجمات والبحوث بالمعنى الحديث للكلمة. وعن طريق هذا المركز الكبير ترجم العرب كل الفلسفة والعلوم الإغريقية تقريباً.

ثم أضافوا إليها ملاحظاتهم العملية ومكتشفاتهم الخاصة أيضاً. وكان ذلك عبر المنظور الإسلامي الكوني واللغة العربية. ثم حصل بعدئذ في إسبانيا أكبر تفاعل عرقي وثقافي بين الغرب والشرق. وكانت قرطبة في القرن العاشر الميلادي أهم عاصمة إسلامية في وقتها، وأكثر مدن أوروبا تقدماً وحضارة. كانت أهم من باريس ولندن وأكسفورد وروما في ظل الخليفة العظيم عبد الرحمن الثالث، ثم ابنه الحكم الثاني.

ويقال بأنه كانت توجد في قرطبة آنذاك أكثر من مئة مكتبة عامة. ومن أهمها مكتبة الحكم الثاني التي كانت تضم أكثر من 400.000 كتاب!... وهذه الكتب كانت تشمل جميع موضوعات المعرفة، وقد استوردت من الخارج عن طريق رجال الخليفة.

يقول المؤرخ الاسباني رامون مينيديز بيدال بهذا الصدد ما يلي: كانت اسبانيا حلقة الوصل بين المسيحية والإسلام. وإذا كانت معظم المؤلفات الفكرية في العصور القديمة تعود إلى الإغريق، فإن التقدم الفكري والعلمي الذي تحقق بين القرنين الثامن والثاني عشر الميلاديين يعود إلى المسلمين دون شك.

وكانت اللغة العربية عندئذ هي لغة التقدم والحضارة. هذا في حين أن اللغة اللاتينية التي كانت تهيمن على أوروبا المسيحية كانت فقيرة بالفكر والعلم والفلسفة. كانت مجرد لغة دين ولاهوت مسيحي في ذلك الزمان. وهذا ما يشهد عليه الفيلسوف الإنجليزي روجيه بيكون الذي عاش في القرن الثالث عشر.

لقد كانت الحضارة العربية-الإسلامية متفوقة جداً آنذاك على أوروبا. ولذلك أثرت عليها كما يؤثر المتقدم على المتأخر دائماً. وقد نقل الفكر العربي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر إلى اسبانيا. ومن اسبانيا راح يشعّ على بقية بلدان أوروبا. ولكن عملية النقل كانت قد ابتدأت في الواقع قبل ذلك. فبدءاً من القرنين التاسع والعاشر راحت اسبانيا الإسلامية تهضم كل التقدم العلمي والفلسفي والتكنولوجي الذي حصل في المجال العربي.
ينبغي القول بأن أوروبا كانت تعاني في ذلك الحين من انحطاط روحي ومادي كبير. صحيح أنه كانت توجد فيها بعض النسخ الفلسفية والعلمية الإغريقية. ولكنها اختفت أثناء هجوم القبائل البربرية الشمالية. يضاف إلى ذلك أنه لم يكن يوجد في أوروبا مفكر واحد قادر على ترجمة أرسطو آنذاك. وبالتالي فقد ظل العلم الإغريقي مجهولاً حتى مجيء العرب إلى اسبانيا.

ولكن كيف حصل الانتقال الثقافي بين حضارتين تتصارعان بكل قوة على الصعيدين السياسي والديني؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي أن نجيب عنه الآن. في الواقع إنه كانت هناك سبع قنوات لنقل العلم العربي إلى أوروبا. وهي على النحو التالي:  
 يتبع جزء ثالث 
من مصادر 
شكرا لتعليقك