مابين السياسة والتنمية
.....................................................................................
من المعروف أن السياسة.. هي التي تحدد كل المسارات على اختلافها في أي بلد.. من السياسة الداخلية والخارجية الى الاقتصادية والإجتماعية وغيرها.. وهي التي ترفع الدولة الى مصاف الدول الراقية... أو الفاشلة..... وفي أشباه دولنا.... فمنذ عهد الانقلابات العسكرية في بلداننا ..فقد أذهلت التجارب الشمولية الضباط الصاعدين والمتعطشين الى السلطة ..فنظروا إلى تجربة ستالين والاتحاد السوفييتي ..وتشاوسيسكو .بقداسة ..وإلى تجربة كوريا الشمالية الفاشلة والقاسية وكأنها كتاب منزل ..وطبعا لم ينظروا إلى تجربة كتجربة ماليزيا ..أو فلندا ..أو سنغافورة ..أو حتى إلى التجربة الإسرائيلية المحاذية لنا ..والعدو الأبدي كما كان يروجه ..أولئك الضباط ..فقد كانت تلك التجارب الفاشية تحقق لهم أحلامهم في استلاب السلطة من الشعب ولو أن كل تلك التجارب الفاشية ..كانت تتكلم باسم الشعب .. و مع وجود تجارب رائعة ومبهرة حولنا في العالم وكانت جديرة بالدراسة والتطبيق.. فلم تلفت انتباه تلك الأنظمة على الإطلاق... وإنما كان تكريس السلطة وارساء قواعد الحكم وكيفية المحافظة عليه بأية وسيلة كان ذلك الهم الأكبر لهؤلاء... وبالرجوع إلى تجارب العالم المبهرة يمكننا سرد تجربة من تلك التجارب الرائعة حقا والمبهرة حقا.. كالتجربة الفلندية ..والتي تعد من التجارب البالغة الاهمية لدراستها والتعمق بها ...فقد أوردت صحيفة «الغارديان» البريطانية،
قبل أسابيع قليلة، مقالةً إضافيةً قالت فيها إن من يريد أن يدرس الحكم السليم، عليه أن يبدأ في هلسنكي (عاصمة فنلندا). لا أستطيع مصاحبة القارئ في هذا المسعى ولكنني أفيده ببعض المعلومات. إننا معتادون على الإشارة لإنجلترا وأميركا، وأحياناً اليابان وكوريا الجنوبية كأمثلة للنهوض والازدهار. إننا نخطئ في ذلك. من يريد أن يتعلم نجاح الحكم وصلاح المجتمع عليه أن يبدأ بفنلندا. هذا ما قالته الصحيفة الموقرة.
كانت فنلندا مستعمرة فقيرة تابعة لروسيا، وذاق شعبها مجاعة أهلكت عُشر سكانها في أواخر القرن التاسع عشر. نالت استقلالها عام 1917 (كأغلب الدول العربية تقريباً). والآن تضع المنظمات العالمية الجمهورية الفنلندية في مقدمة كل دول العالم في الأمن والاستقرار وصلاح الحكم وقلة الفساد والجريمة. إنها ثالث دولة في النزاهة وثاني دولة في سلامة الانتخابات وخامس دولة في المساواة الاجتماعية، وتحتل شركاتها ومؤسساتها المكانة الثانية في العالم في التعامل الأخلاقي، وتتمتع نساؤها بالمكانة الثالثة عالمياً في مساواة الرجل، وحصلت المرأة الفنلندية على حق الانتخابات قبل كل دول العالم في سنة 1906، وتشكل اليوم 42 في المائة من عضوية البرلمان، تكرس الدولة نحو ثلث ميزانيتها للأغراض الاجتماعية بحيث أصبحت فنلندا خامس دولة في المساواة.
لفت هذا التقدم العجيب والازدهار الهائل اهتمام سائر الباحثين. كان من أبنائها العالم هولستروم الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد. وصف تقدم بلاده بأنه «معجزة»، وهي معجزة بالنظر لفقر البلاد وشحة مواردها الطبيعية وقسوة مناخها. أكد الكثيرون على روح المواطن القائمة على التفاني في العمل والتعاون مع الآخرين والتحاور مع السلطة. لخصوا كل ذلك بكلمة فنلندية لا يوجد لها مقابل في اللغات الأخرى، وهي «سيسي»، وتعني المثابرة الشجاعة بغض النظر عن النتيجة. تجلَّت كلمة «سيسي» في وقوف هذا الشعب الصغير ضد الاتحاد السوفياتي ودحرهم للجيش السوفياتي قبيل الحرب العالمية الثانية.
يبدو لي أن سر تقدم هذا الشعب (5.5 مليون نسمة) يعود للتركيز على العلم والتعليم منذ بدء استقلاله. قاد نضالها من أجل الاستقلال بروفسور جامعي. ومنذ حصولها على الاستقلال تسلم الحكم فيها أساتذة كان ثلثهم من حملة شهادة الدكتوراه وتمتعوا بدرجة بروفسور. وهكذا نظر أحدهم لمجتمعه فقال: «بلادنا كيان اجتماعي صنعه بروفسورية».
حرص هؤلاء البروفسورية الجامعيون على إشاعة التعليم في بلادهم. يحتل الطلبة الفنلنديون الآن المكانة الثانية في العالم في المقدرة على القراءة. الأمية صفة يسمعون بها لا غير، فلا وجود لها بينهم. الكنيسة لا تعقد الزواج لرجل وامرأة حتى يثبتا إجادتهما للقراءة والكتابة. وبالطبع لا تستخدم أية مؤسسة مواطناً لا يجيد القراءة والكتابة. أعتقد أن هذا التأكيد على التعليم وبالتالي المعرفة والثقافة هو سر نجاح فنلندا.... وان إهمال العلم والتعليم والبحث العلمي.. هو واحد من أكبر إخفاقاتنا.. ومن أهمها... التي اوصلتنا لدول فاشلة.
بتصرف عن الشرق الأوسط الكاتب خالد القشطيني.
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء