ثورة أم انقلاب؟
.......................................................................................
بين ١٤ و ١٧ تموز ثلاثة أيام فقط. ثلاثة أيام غيرت وجه العراق السياسي وصنعت تاريخاً مختلف عليه إلى الآن.
التاريخان رهينان تؤيلات وتفسيرات مؤدلجة غصت بها كتبنا المدرسية وصحافتنا وأغانينا وشعاراتنا التي تتبدل بسرعة مع كل تغيير في السلطة.
الصراع على وصف الحدثين ينم على إننا لم نغادر التاريخ إلي الآن ومازلنا عبارة عن جمهور مؤدلج يحاول أن يمضي للأمام من خلال تفسيرات الماضي الذي تحول إلي لون أساسي يصبغ نظاراتنا التي نرى بها الواقع.
الصراع بين صفة الثورة والانقلاب ليس مهما الآن لأن التفسيرات الاكاديمية لها القول الفصل ربما في فهم ماحدث هناك حين صيف لاهب في كلا الحدثين.
مايهمني هو ليس الوصف في حد ذاته، لإننا غرقنا في التوصيفات ونسينا المعنى.
الوصف، والصفات، والنعوت ليست سوى كلمات مستقاة من نظريات والنظريات هي أطر جاهزة نحاول بها فهم مايحدث فقط.
الأكثر أهمية بالنسبة لي هو المعنى وماحدث فعلا بعيدا عن تلك النعوت والصفات.
في الأعم الأغلب من أحداث التاريخ السياسي العراقي، من ثورات وانقلابات، حركات عسكرية وسياسية وتحولات، كان صانع الحدث هو السياسي العراقي.
لم يكن الشعب العراقي مشاركا في صنع الحدث.
لم يقل الشعب العراقي إلى الآن كلمته، تقريبا ولا مرة، في صنع تاريخه السياسي في أحداث مهمة وكبيرة.
حتى خروج الجماهير في وقتها ماكان إلا كردود أفعال لحركة السياسيين في التأيد أو الرفض. منذ ثورة العشرين، (وحتى ثورة العشرين نفسها) ظل الشعب صامتا كأنه جدار فيما كان السياسيون يحركون الأحداث ويصنعون التاريخ السياسي بين انقلاب وانقلاب، حركة سياسة وأخرى ضدها، بين سياسيين عسكر وارستقراطيين وبرجوازيين ويساريين يمثلون طبقة عمالية.
التغيير في ١٩٢٠، ١٩٥٨، ١٩٦٣، ١٩٦٨، ٢٠٠٣ مابينها وما تلاها، كلها أحداث لم يكن الشعب العراقي فيها الفاعل الرئيسي ولم يقل كلمته فيما يريد ويرغب.
لقد كان الشعب العراقي غائبا ولم يكن إلا صدى لسياسيين وساسة واجندات خارجية وداخلية.
ربما أحد الأسباب لذلك هو أن الشعب العراقي لم يكن موحدا كفاية في وعي مشترك تمثله طبقة سياسية لها جذور في طبقة اجتماعية واسعة وعريضة.
في رأيي أن الشعب العراقي لم يمارس السياسة بما يكفي ليكن فاعلا ومؤثرا في المشهد السياسي وهذا له أسباب لسنا بصددها الآن. غياب الهوية الوطنية (لأنها منذ البداية جاءت كمشروع كولونيالي) جعل الشعب العراقي مقسما بين هويات دينية واثنية وطبقية قاتلة واخضعه لسلطة من يتحكم بتلك الهويات ليتحرك في أطر جاهزة سلفا لايخرج عنها. لكن، منذ ٢٠١١ وحتى الآن، أنبثق حراكا جماهيرا بين تعثر ونجاح بسيط. ورغم أن هذا الحراك نخبويا، إلى حد ما، أو انقسم بين تيارات سياسية مختلفة لكنه يشكل بداية لمسيرة ستكون طويلة في عملية التغيير. فكلما خفتت شعلة انبثقت آخرى هناك لتقول أن وعيا سياسيا مختلفا قد بدأ يتشكل.
العراقيي بحاجة لممارسة السياسة أكثر ليتشكل وعيا سياسية مشتركا سيعيد به رسم ملامح المشهد السياسي ويقول كلمته أمام سياسيين غير مباليين بما يحدث.
imad_rasan
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء