المهند حيدر
من خبايا الجحيم الذي نعيشه، كان فيلم (حبر الآن)، بعيداً عن تفاصيل الأزمة، وقريباً من صداها، يرصد حال السوري اليوم، كيف تكيف مع ما يجري من دون أن يشعر أو يتوقع، لكنه في الفيلم، يفقد قدرته على التحمل، ويقرر وضع حدٍّ لحياته.
الفيلم تجربة جديدة للمخرج المهند حيدر، بعد (سياسة) و(سما)، عرضته المؤسسة العامة للسينما في مهرجان الأفلام القصيرة وسينما الشباب، وإن طالت تجربته المسرح والشعر، وهو أستاذ لمادة الإدارة الثقافية في المعهد العالي للفنون المسرحية، نال بها درجة الماجستير من فرنسا.
لا... لعرض العنف
لا نرى في الفيلم أياً مما نعيشه، فالمخرج يرفض تجسيد لوحة للشر حتى لا نعتاد رؤية العنف على الشاشة حتى لو كنا ندينه، يمكن إظهار تأثيره في الإنسان.. أضاف: يثيرني أحياناً أن تعرض شاشات التلفزة بعض الجماعات، وهي تنفذ إعدامات ميدانية، وهناك من يصور بكاميرا الموبايل، هذا ليس فعلاً إنسانياً أبداً.
أما (سما)، بالتعاون مع المؤسسة أيضاً، فهو يحكي عن العزلة بين الناس، عبر مقولات بمستويات مختلفة، يمكن أن تصل جميعها أو بعض منها، وهنا يتجاوز حيدر موضوع النخبة.
وأوضح: أجرب الدخول إلى مختلف المساحات المجهولة بالنسبة لي، لذلك قدمت أفلامي، سيناريوهاً وإخراجاً بأساليب مختلفة، وهنا يكمن التحدي، والبحث عن النجاح، ربما تصبح نسبة الفشل أعلى، لكن ستكون للنجاح قيمة أكبر، أفضّل ألا يحصر الفنان نفسه في أسلوب معين، فالتجريب ممتع جداً.
هموم مسرحية
أثناء وجوده في فرنسا، قدّم عرضاً مسرحياً (الفيل يا ملك الزمان) لسعد الله ونوس باللغة الفرنسية عام 2005، وشارك العام الماضي كدراماتورج في عرض (في بار بشارع الحمرا) إخراج كفاح الخوص، وعن هذه التجربة قال: من يعملون في المسرح حالياً لا يبحثون عن مال أو شهرة، يعملون لأنهم يحبون المسرح، يفترض أن يكون لدي خط مسرحي قابل للتطوير، لكنني قدمت تجارب وعروضاً في فترات متباعدة، ولهذا أسباب عدة، هل يعقل مثلاً أن مدينة كدمشق فيها حوالي 4مسارح لا غير؟.
ويحضر حالياً لعرض مسرحي (حدث في يوم المسرح) لوليد إخلاصي، (بعد المرور بإجراءات تدفعك في لحظة للانسحاب، فلا أحد يقدر قيمة ما تقدمه)، وهنا أيضاً يحرص على تحييد الأزمة (أعتقد أن الناس لم يعودوا بحاجة لسماع أو رؤية المزيد عنها، نحتاج شيئاً أكثر قرباً للحياة، هناك جانب يجب ألا نسمح بغيابه، تفاصيل يجب عدم مصادرتها، مازال الناس يحبون ويتزوجون ويضحكون، ربما يمر ما نعيشه كخلفية للعرض القادم لا أكثر).
مساحة خاصة
أما الشعر، فهو مساحته الخاصة، كما قال، يعبر فيها عن نفسه من دون تفكير بالآخر، على عكس السينما والمسرح والدراسات، كلها موجهة للمجتمع، لديه مجموعة (كما لو أني أتيت)، طبعت مرتين 2004 و2006، ولديه مجموعة مؤجلة بعنوان مؤقت (ضد الحرب)، عنها أضاف: ركزت على إيقاع القصيدة، واستفدت من قراءاتي لتجارب غربية مختلفة، مضموناً حاولت المزاوجة بين الصورة والحالة.
ويستحضر عدداً من المنتديات الثقافية الشعرية التي ظهرت خلال الأزمة منها (يامال الشام، ثلاثاء شعر، أضواء المدينة)، كحالة ايجابية، يجب –في رأيه- دعمها أو على الأقل لندعها تعمل.
الإدارة الثقافية
أما مادة الإدارة الثقافية، التي وضع منهاجها بنفسه لطلاب المعهد، كاختصاص جديد في سورية خاصة، والعالم عامة، فهي، في رأيه، نشأت من حاجة أساسية تتمثل بأن الثقافة لها خصوصية تميزها عن أي إنتاج آخر، لذا تلزمها إدارة خاصة بها، ونحن نعاني مشكلة دائمة هي أن القائمين على شؤون الثقافة إما أن يكونوا فنانين أو إداريين، فعبر تاريخ مديرية المسارح مثلاً، معظم القائمين عليها كانوا من الفنانين، وهنا مكمن الإشكالية، فلا يكفي أن تكون فناناً لتلم بأمور الفنانين، ولا إدارياً لتحسن إدارة أي مؤسسة، ولاسيما أن الخبرات الإدارية تكتسب من المحيط، فمن أين يأتي التطور إذاً؟
الإداري القادم سيكون شبيهاً بمن سبقوه، وهذه الحالة تنطبق على مختلف مؤسسات وزارة الثقافة، وهنا يأتي دور الإدارة الثقافية، في البحث في كيفية إنشاء مؤسسات ثقافية وإدارتها بطريقة صحيحة، وكيف يمكن لنا أن نقدم نشاطات وفعاليات تبني الثقافة والإنسان.
ورأى حيدر أن معظم مؤسساتنا الثقافية، خدمية، تدار بالحد الأدنى من الكفاءات والخبرات من إداريين أو فنانين بحتين، لا يمتلكون خصوصية المزاوجة بين الإبداع والفكر والتطوير الإداري، همها أن تسير بخطة سنوية كي لا يقول أحد إنها لا تعمل، أو إقامة مجموعة تظاهرات يروج لها الإعلام لا غير.
الثقافة في الأزمة
لكن كيف بدت الحالة الثقافية خلال الأزمة، فقد أقيم العديد من النشاطات، لكن لم تكن المستويات جيدة دائما؟
أجاب: لست ضد الكمّ لأنه سيفرز كيفاً، في النهاية سيبقى الجيد والجدي لكنني أرفض أن تذهب الفرص لمن لا يستحقها ولاسيما حين تكون قليلة، إضافة إلى أن معظم مؤسساتنا تعمل بطريقة العلاقات الشخصية، ولا ننسى أن الميزانية المخصصة للثقافة في سورية، ضئيلة جداً قبل الأزمة وبعدها، مع أن التربية والثقافة والتعليم وما شابه وزارات لا يفترض بها أن تكون رابحة، لأنها معنية ببناء الإنسان.
ومن الضروري، كما أكد، أن نتجاوز الآليات الإدارية لعمل الثقافة فهي لم تتبدل ولم تتطور منذ سنوات طويلة، فهل يعقل أن دولة تمتلك حضارة بحجم ما نمتلكه، ليس لديها قناة ثقافية مثلاً؟!! في المحصلة لدينا أزمة ثقافية، وفروقات ثقافية هائلة، ما يبدو أننا كنا نرتقي بالنخب لكن ليس بالمجتمع ككل، متسائلاً (ما هي الخطة الثقافية الموضوعة لمواجهة أزمة كالتي نعيشها؟).
للمخرج حيدر مجموعة دراسات ثقافية تتعلق باختصاصه، وصدر له كتاب (المسرح والتنمية الثقافية)، وعلى أمل إحداث فرق، في يوم ما، (أحاول أن أعلم جيلاً ربما يكون قادراً على ذلك).
كادر:
المهند حيدر
كاتب ومخرج ومدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية.
مواليد مدينة سلمية عام 1976.
تخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية- قسم الدراسات المسرحية عام 2000.
حصل على شهادة الماجستير الاحترافي في الإدارة الثقافية من جامعة بول "فيرلين"- فرنسا.
له عدة نصوص مسرحية، وكتب ودراسات في مجالات إدارة المشاريع والمؤسسات الثقافية والتخطيط الثقافي إضافة لتجارب في الإخراج المسرحي والسينمائي.
من مؤلفاته: ضد الحرب- مجموعة شعرية، العسكر- نص مسرحي، احتفال خاص بالمسرح- نص مسرحي، كما لو أني أتيت- مجموعة شعرية.
من عدة مصادر
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء