الإيمان وينابيع العلم
.........................................
لا يعني الإيمان الابتعاد عن الواقع والتاريخ والغوص في الماورائيات إلى ما لا نهاية، بل يعني التسليم بوجود الله خالق الكون وراحمه ومطوره. التسليم هنا يقطع الطريق على الغوص وعلى التخيلات غير المنطقية، وعلى التخاريف والسفسطة.
الايمان نقطة ارتكاز عقلية وروحية لا يمكن البرهان عنها بشكل مباشر تماما كما لا نستطيع رؤية الله تعالى بشكل مباشر، بل يمكن رؤية اقداره وابداعه ورسائله بقلوبنا وعقولنا.
كل ما عدا الله وزمنه وقدره يمكن البرهان عليه علميا وعقليا وبشكل مباشر، ولهذا يأتي التسليم كنقطة انطلاق عقلية نحو كل الوجود بالبرهنة والإثبات بواسطة العلم والمعرفة.
ليس الزمن إلا شكل حركة المادة يقدرها الله تقديرا وليس بالصدفة
وخلق الله الوجود بالقانون الطبيعي المتدرج ولم يخلقه بواسطة السحر كما يتخيل البعض،
قال تعالى في سورة [ الحجر : 85 ] { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق }
والحق هنا بمعنى العلم، أي أن الله خلق الكون بالعلم، فكيف نكفر اليوم بالعلم ونلوذ بالخرافة كأنها حبل النجاة.
والله تعالى خلق كونه من غير ضعف أو محدودية القدرة بل كان قادرا على خلقه من غير طريق العلم لكنه اراده كمنهج إبداع للخلق والتطوير .
وتعمد خالقنا طريق العلم- الحق حتى يضيء عقولنا بالمعرفة والعلم فيلامس عقولنا الوعي ويكون الاختيار.
أي الخيار الإنساني العظيم والكبير بين الحق والباطل بين الخير والشر بين العلم والسحر بين المعرفة والجهل بين الحب والكراهية.
خلق الله الأكوان بالحق والعلم ليخلق وعينا الإنساني الراقي من غير تكبر، وعينا الإنساني الخيّر من غير ضعف، وعينا الإنساني القائم على المعرفة والعلم من غير تأليه.
ولهذا فإن كل من يشرخون بين الله والخلق العلمي للكون سواء من العلماء غير المؤمنين أو رجال الدين المخاصمين للمعرفة والتطور، هم في الحقيقة يقرأون النص بالمقلوب، وهم يكرسون الجهل أو العبثية أو اللاجدوى، وهو أبعد ما يكون عن منهج الخلق الرباني بواسطة العلم.
وهم بالتالي يعاندون المنهج الطبيعي لسير الكون والطبيعة، ويفتقدون للوعي الإنساني الصحيح.
وبالطبع لا يعني هذا مزج الأشياء بطريقة كاريكاتيرية بدمج مادة الدين بمادة الفيزياء أو العلوم الطبيعية كما تفعل بعض الدول، بل يعني الانطلاق من التسليم بوجود الله وقدرته وخيره نحو العلوم والمعرفة كافة بكل ما اوتينا من قوة عقلية وذكاء.
ويعني أيضا تنقية تراثنا مما علق به عبر عشرات القرون من شوائب وخرافات وإسرائيليات، والتمسك بجوهر الإيمان والنصوص بدلا من ظاهرها وحرفيتها.
إن الأحداث المؤلمة التي ألمت بمجتمعنا الحي يمكن أن تتحول إلى قوة دافعة هائلة اذا ما اعدنا النظر بنمط التفكير وبالقوالب الذهنية الجاهزة التي ورثناها دونما اي مراجعة أو تدقيق.
وربما اقتربنا كثيرا من اللحظة التي يعاد فيه إنتاج العلم والمعرفة من مشكاة الإيمان الثاقبة، فكان ابن سينا وكان الفارابي وابن رشد وكثير من ينابيع العلم والنور في هذا العالم.
علي حسين الحموي
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء