pregnancy

القمع التخصصي ..متى نتخلص منه ؟؟!!




القمع التخصصي.. متى نتخلص منه؟


إن هدف معظم أصحاب الشهادات العلمية في الطب والهندسة والعلوم, أن يحصلوا على مهنة وأن يحاولوا جاهدين أن يبنوا قصوراً، فليس غايتهم أن يمحوا الأمية الكبرى لديهم (الأمية الثقافية) بأن يبدعوا علماً ويطوّروا أفكاراً عن طريق خبرتهم وتجربتهم وبحثهم المستمر, وما نشاهده عملياً هو نكسة المتعلمين المختصين وتحولهم مع الزمن إلى مهنيين عاديين، وانزلاقهم عبر (قمع الزيت) التخصصي حيث تضيق ساحة الاهتمام ويزداد الظلام مع قوة العبور إلى نهاية القمع حيث يصبح المنظار الفكري والتحليل العقلي يمر عبر ثقب ضيق وبالنسبة للأخصائيين الجراحين فإن الوجود أكبر من العمليات الجراحية وأرحب من التشريح وأهم من ترقيع شريان أو استئصال ورم أو رد كسر,  وإنني أتعجب من معظم المتعلمين المختصين كيف يرضون أن يكونوا مجرد ناقلين ومترجمين للعلم ونظرياته بدون إنتاجه وتطويره؟ وكيف يقبلون لأنفسهم أن يكونوا أقزاماً علمياً وغيرهم عمالقة؟ وأتعجب منهم لماذا لا يكون الفرد منهم وحده نواة لمشروع علمي واسع في مجال تخصصه لتطوير مجتمعه لأنه حتى الطب يعتمد على الأنماط الثقافية والاجتماعية التي يمارس فيها، ولا يمكن نقله وترجمته وإنما يجب أن نردفه ونقويه بأبحاث علمية ميدانية في مختلف المجتمعات البشرية المتعددة الثقافات, وإنني أتعجب لماذا نرضى أن نكون خلف أوروبا أو غيرها؟ ونحن الذين وضعنا الأصول والمبادئ للحضارة المعاصرة كلها, ولماذا لا نبدأ نحن بالمبادرة وننتج المعرفة ونطور التقنية ونقيم المراكز العلمية البحثية وننشر المراصد الفلكية ونوسع الاهتمامات الثقافية ونوجه اهتمام العالم كله إلى إنتاجنا العلمي والفكري والإبداعي؟ 
لقد كانت الآيات القرآنية الكريمة في ظل فعالية الحضارة العربية الإسلامية تشكل الدافع القوي للمبادرات العلمية والعقلية والفلسفية والاختراعات وقيادة العالم في كل فروع المعرفة وتطبيقاتها التجريبية عند أجدادنا,كابن الهيثم والبيروني والرازي وابن سينا والفارابي لقد أصبحوا عمالقة بينما نحن أقزام ؟ولكن:
          إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ   الرعد, 11.
ومن النماذج الإبداعية في العلوم وفلسفتها نذكر العالم العربي الدكتور زغلول النجار  الذي نستعرض تأكيده لدراسة العلوم بشكل هرمي وعامودي بحيث يبدأ من العلوم الأساسية والإنسانية والتقنيات ثم إلى فلسفة العلم ليصل إلى الدين كمنظومة فكرية إنسانية موجهة لتلك العلوم كافةً بحيث تقود سلوك الإنسان نحو العمران الأرضي والسلام الكوني, بينما الاقتصار على مقطع أفقي من الهرم المعرفي يؤدي إلى علوم قاصرة وتقدم تقني مذهل يغري أصحابه في إبادة غيرهم ونهب خيراتهم لغياب الإلتزام الخلقي والسلوكي كما يحصل في عولمة الحضارة الغربية المادية المريضة. 
------------------------------------------

للتوسع:
1- القمع التخصصي.. متى نتخلص منه؟ ،د.ناصر محي الدين ملوحي، مجلة الرواد، دمشق، تصدر عن دار الآداب والعلوم للصحافة والطباعة والنشر والإنتاج الفني، اليونان - أثينا، العدد64، آذار 2010م، ص 37.
2- أ. د. زغلول راغب محمد النجار, ولد عام 1933 مصر, وهو أستاذ علوم الأرض في عدد كبير من الجامعات العربية والأجنبية, له اكثر من 150 بحثاً و 25 كتاباً منشوراً وأشرف على اكثر من 45 رسالة علمية لنيل شهادة الماجستير والدكتوراة, زميل الأكاديمية الإسلامية للعلوم..


بقلمي: د.ناصر محي الدين ملوحي
شكرا لتعليقك