pregnancy

نظرية المؤامرة بين الواقعية والتأليه









نظرية المؤامرة بين الواقعية والتأليه 
..........................................................

لم تعاني بلاد من التآمر والتخطيط كبلادنا، ربما لانها فاتحة التاريخ، أو لأن الله تعالى شاء لها الحياة، وأن تكون شاهدة على العصور ودليلا مناقبيا لبقية الأمم، أو لانها تمتعت باعتدال المناخ وتوسط الموقع وسعة الثروات الطبيعية والباطنية.
 هذا المشرق العربي الآرامي -ومعه المغرب الكبير أيضا- تعرض عبر الزمن الطويل إلى مؤامرات وغزوات كبرى قوضت أركانه لعشرات المرات لكنها لم تقتله، ليس بسبب صمود أهلها وباسهم وحسب بل لأنهم أيضا يملكون إرادة الحياة ومرونتها وقدرتها على الموائمة والتأقلم.

وككل العصور هاهم أبناء المشرق الأبي أو أبناء سوريا الكبيرة بجناحيها الشام والعراق يتعرضون للمؤامرات، لكن هذه المرة لأسوأ المخططات الجهنمية من قبل أقوى الدول واشدها مكرا، حتى استشهد منهم الملايين ولجأ عشرات الملايين في المدن والعواصم حول العالم، ووقع المجتمع بعمومه تحت خط الفقر، وتحول الأثرياء منهم إلى مكتفين، وتحول المكتفون إلى فقراء يقرض ابدانهم العوز والفاقة.
ولا أظن أن التاريخ عرف يوما كارثة إنسانية بهذا الحجم، ولا مؤامرة شيطانية بهذا الخبث والكيد. 
ومع ذلك ما ظني إلا أننا سنروي أو ابناؤنا أو أحفادنا حكايات وبطولات شعبنا العظيم عنها وتاريخ كفاحه بوجهها كما روينا قصص ابطالنا الأولين من سرجون الأكادي في الماضي الغابر إلى يوسف العظمة وميسلون في التاريخ الحديث.

وفي الأثناء تفتقت العقول عن أفكار تتعلق بالمكيدة نفسها، تحلل وتستنتج، تناقش ما جرى وما يجري الآن وما يمكن أن يجري لاحقاً، بعضها يصيب وبعضها يخطل، بعضها يبالغ وبعضها ينكر وجود المؤامرة اصلا.
وبالتالي إن التدرج في فهم المؤامرة يفرض علينا معرفة واستيعاب ما يقال عنها ايضا، وبالوقت نفسه إن نكران الشيء لا يعني عدم وجوده.
ما يحدث في شرقنا العتيق ليس مرده للجهل فقط ولا الأنانية وحدها ولا انعدام روح التعاون والثقة المتبادلة بل هو أيضا بسبب مؤامرة على هذا الشعب الأصيل بهدف انهاءه وسرقة أرضه.
وبنظرة متفحصة للكتابات والآراء حول موضوع المؤامرة يمكننا استنتاج ما يلي:

أولا.  قسم كبير من الناس يؤمنون بوجود مؤامرة كبرى تحاك وتطبق على بلادهم، إلا أن هذه المؤامرة من القوة والمتعة والخطورة، بحيث أن أيا كان أو كانوا فلن يتمكنوا من إيقاف عجلاتها ومفاعيلها؛ لا بل أن ما يحدث هو العكس. أي أن المؤامرة والقائمين عليها يفرمون من يقاومها أو يقف بوجهها؛ وهم بذلك يؤلهون المؤامرة ولو بشكل غير مباشر، كونهم يرونها القدر المؤكد الذي لا مفر منه، بسبب قوة المتآمرين وتمكنهم، وهم المسيطرين على دول كبرى ومنظمات دولية شديدة الأهمية، عدا عن كونهم يضمون العديد من أصحاب الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات.
والمدهش أن هؤلاء المؤلهون من جميع أصناف الناس فمنهم المؤمن وغير المؤمن والجاهل والمتعلم واليساري واليميني.

ثانيا . قسم ينفي وجود المؤامرة كليا، ويرى أن ما يحرك العالم والأحداث بالمشرق العربي (الشرق الأوسط) ليس سوى تقاطع أو تضارب المصالح، وهم يسوقون أدلة على ذلك ومعظمهم من الجيل الجديد، من الليبراليين الديمقراطيين سواء انتموا لأحزاب أم لم ينتموا. وهؤلاء ينظرون إلى كل المعتقدين بوجود مؤامرة على العالم وعلى بلادنا على أنهم مرضى عقليين أو نفسيين يجب تجنب الخوض معهم، لما يحملونه من توهمات وأساطير غير واقعية.
عادة ما يتناقض هؤلاء مع المتطرفين دينيا من الشباب؛ لكنهم أيضا من جميع الأصناف.

ثالثا. هناك فئة قليلة -للأسف- تنظر إلى المؤامرة بواقعية فهي لا تؤلهها ولا تعتبرها القدر المحتوم، بل ترى فيها محاولة منظمة من الأعداء للقضاء على هذه الأمة والانطلاق بعدها نحو الأمم الأخرى، وهؤلاء لا ينكرون دور المصالح والتحالفات في تفعيل وتثبيط المؤامرة، لكنهم يعتقدون أيضا بإمكانية مقاومة المؤامرة لإبطاءها أو حتى انهاءها. 
ويرون أن المؤامرة أمام وعي الشعوب الجماعي لن تكون إلا نمرا من ورق، وأن المتآمرين كثيرا ما تتناقض مصالحهم، وبالتالي فإن المؤامرة تحتوي الكثير من الثغرات التي منها يمكن أن يستعيد المقاومون زمام المبادرة؛ وإعادة الاعتبار لمعنى الإنسانية بعد نضال كبير.  

علي حسين  الحموي
شكرا لتعليقك