التعليم _اللغوي _الثقافي _عند _الجنين
....................................................................................
توضع اللغة عادة في قمة الهرم الإدراكي التواصلي البشري، فاللغة تطورت لتعزيز النموالعقلي والثقافي حيث مكنت الإنسان من تصور وتخطيط وتنسيق وتقييم النشاط التعارفي الاجتماعي الوطني والعالمي، وإن اللغة والظواهر النفسية في جوهرها هي ظواهر معرفية ثقافية اجتماعية تشكلت من خلال عمليات اجتماعية ونفسية نتيجةتفاعل الفرد والمجتمع ضمن منظومة فكرية ثقافية لكل شعب ,وهذا موضوع علم النفس الثقافي Cultual Psychology ويعد النشاط الاجتماعي عاملاً أولياً في زيادة القدرات النفسية ونمو المخ بالإضافة إلى نموذج التفاعل الوراثي البيئي حيث توجد عمليات وراثية داخل الفرد وعمليات اجتماعية خارجة وكل منها يؤثر في نوعية وجودة السلوك البشري ,حتى إن التعليم وطرائقه وأنواعه يؤثر بصورة مباشرة على الكيمياء الاستقلابية والوظائف الحيوية لكافة الأجهزة العضوية للجسم البشري لاسيما كامل الجهاز العصبي وحواسه و الجهازالهرموني والمناعي والوعائي والتنفسي ..
وذلك اعتباراً من المدرسة الرحمية حيث يكون التأثير في ذروته خاصة قبيل الولادة وبعدها بقليل خلال الأيام والأشهر الأولى، لأن الجنين يمتلك أنظمة عصبيةحسية توفر له معلومات عن محيطه حيث يستقبل الجنين إشارات ومنبهات وهو في رحم أمه، ذلك لأن أغلب هذه الأنظمة الحسية تنشط قبل الولادة، فنظامه السمعي يتبلور حوالي الشهر الرابع قبل الولادة، وهو يمتلك نظام ذوقي يدفعه للاستجابة إلى المذاقات الحلوة وإلى بعض التوابل التي تتناولها الأم والتي تمر عبر السائل الأمينوسي كما يمتلك الحساسية اللمسية والسمعيةوالبصرية والتي ثبت وجودها في عدة تجارب، كما توجد حاسة شم قبل الولادة حيث يذهب الباحث بنيوا شال Benoit Schall – من مختبر علم النفس الإحيائي للطفل في المركز الوطني للبحوث العلمية في باريس – إلى أن الجنين يتمكن من إدراك وشم العطر الذي تتعطر به أمه, وبالتالي فإن كمية المعلومات والمنبهات الملتقطة من طرف الجنين أو الوليد أو الرضيع تساهم في دعم استراتيجية الجنين أو الوليد لتكوين صورة منسجمة وصحيحة عن العالم المحيط به, وتبدأ عملية اكتساب اللغة بالنسبة لأي كائن بشري قبل الولادة، وإن نظام معالجة الإشارة الصوتية عند الجنين يبدأ نشاطه انطلاقا من الأسابيع الأخيرة للحياة الرحمية (الثلث الأخير من الحمل ,أي الشهر 7و8و9)، ومن المدهش أن يميز الرضيع باكراً جداً، لغته الأم من أية لغة أخرى ,فالرضيع الذي تصل أعمارهم أربعة أيام يميزون بين الفرنسية والروسية، وقد تم الحصول على نتائج مشابهة بالنسبة للإنجليزية والإيطالية، ثم بالنسبة للإنجليزية والأسبانية مع مواليد في يومهم الثاني حيث يلجأ الباحثون إلى رضاعة موصولة إلى جهاز إلكتروني يسجل شدة المص، وتعطى هذه الرضاعة للوليد ويجري إسماع الرضع أصواتاً منطوقة أو ملفوظات من كل لغة حينئذ ترتفع شدة المص التي تنخفض حينما يكون هناك تعود على مقاطع اللغة لترتفع فجأة حينما ينتبه الطفل إلى إشارة تبدو له مختلفة عن الإشارات الأخرى، وهذا ما أثبته فريق مختبر العلوم الإدراكية والنفسية اللسانية في باريس حيث استنتج بأن الطفل مبرمج بيولوجياً لتجزيء المؤشر الصوتي الذي يصل إلى مسامعه، فيستطيع الرضيع أن يفرق بين حرف B و P بل هو قادر على التمييز حتى بين وحدات صوتية ملتبسة في لغته الأم، فالياباني لا يمكنه أن يدرك الفرق بين r و I لأن هذا التمييز غير موجود في لغته بينما يتمكن الرضيع الياباني من ذلك، حوالي السنة الأولى من عمره يفقد دماغه هذه الدقة في التمييز لكي يندمج بالسلوكيات اللغوية الثقافية في محيطه الاجتماعي.
ومما يدعو لمزيد من الدهشة أنه طلب من نساء حوامل أن يقرأن بصوت مرتفع حكاية معينة أثناء الأسابيع الستة الأخيرة من حملهن، تتميز هذه الحكاية برنين خاص، ويجري التركيز فيها على بعض الأحرف الصوتية (حروف العلة) لتيسير تعرفها، لقد تم تسجيل تباطؤ واضح في نبضات القلب لدى الأجنة عند استماعهم إلى هذه الحكاية المألوفة لديهم مقارنة مع ما يمكن أن تقدمه حكاية أخرى غير معروفة ,ولوحظ عند الولادة أن المواليد أظهروا القدرة على تمييز قصصهم من القصص الأخرى غير أن الرضع لا يكتفون باستقبال اللغة فقط بل يبثونها أيضاً، فحتى الصراخ وهو التجلي الصوتي الأول للوليد ليس مجرد آلية عضوية وإنما هو أيضاً الحبل السري السمعي حيث يقوي البنيان الاجتماعي والنفسي مع الأم فضلا عن استطاعة الأبوين تمييز بكاء وصراخ وليدهما عن صرخات المواليد الآخرين وعندما لا يصرخ الرضيع فإنه يثغثغ وحوالي الشهر الخامس تغتني القائمة الصوتية للرضيع بالعديد من الحروف الساكنة الجديدة، ولا يعمد الرضيع في هذه السن أبداً إلى الثغثغة حينما يتوجه إلى من حوله بل يستخدم شبه لغة لكي يلفت الانتباه حيث ينظم الأصوات التي يرسلها في سلاسل لفظية يستدعي نظمها الكلام وبعد الشهر السادس يتطور ملفوظ شبه اللغة بسرعة خلال أشهر عديدة حتى يستطيع الرضيع أن يحكي ويتكلم .
واعتماداً على قدرة الجنين على التعليم اللغوي والتأثير بالمحيط الاجتماعي يمكن أن تقدم الأم الحامل بعد الشهر السادس أنغام خفيفة للجنين على شكل دمدمة أو يقدمها الأب بصوته فيهدئ الجنين ويتواصل مع أبويه، أو يمكن أن يحكى للجنين مجموعة من القصص الصغيرة المعبرة لتدريبه على الاكتساب اللغوي أو يقدم للجنين أناشيد خفيفة للأحرف الأبجدية بأسلوب التسجيل أو يقدم له مجموعة أناشيد تربوية أو دعاء أو صور قرآنية كريمة صغيرة للارتقاء إلى مستوى التربية الفاضلة والأخلاق السامية ,ويمكن تطبيق ذلك عملياً وتعليماً بتعديل وابتكار بعض البرامج والأدوات التقنيات الحاسوبية المعلوماتية بمراكز مختصة كروضات لتعليم الجنين في الثلث الأخير للحمل ,وبالتالي كما نهتم بالرعاية الصحية الطبية الأولية للجنين من حيث راحة وغذاء وعمل ودواء الحامل ووقايتها من الامراض ومراقبة نمو الجنين .., نكون قمنا أيضاً بالرعاية التربوية اللغوية التواصلية الثقافية للجنين في مدرسته الرحمية ..
{مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} فاطر, 10.
للتوسع:
*****
1- التعليم اللغوي عند الجنين, د.ناصر محي الدين ملوحي ,مجلة المنبر العربي, دمشق, العددان 27- 28, كانون الثاني/ شباط 2006, ص 90.
2- علم نفس الجنين , مشروع فتح روضات لتعليم الاجنة , د.ناصر محي الدين ملوحي , دار الغسق للنشر , سلمية , سورية , ط2 , عام 1434-2013
3- مقالات منشورة ، د.ناصر محي الدين ملوحي , دار الغسق للنشر , سلمية ، سورية ، ط1,عام 1437 هـ/2017م
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء