نفحات من المهجر : (1)
..................................................................................
منذ أواخر القرن التاسع عشر , بدأت تنزح إلى بلاد أمريكا الشمالية والجنوبية جماعات من أبناء البلاد العربية , ولاسيما من لبنان وسورية ,بعضها هرباً من جور الأتراك , وبعضها الآخر طلباً للرزق . وبعضها الآخر للسببين معاً , وكان بين المهاجرين فئة من الشباب المثقف الواعي , وقد انقسم هؤلاء الأدباء المهجريون إلى فئتين : فئة المهجر الشمالي أي الولايات المتحدة , وفئة المهجر الجنوبي أي أمريكا الجنوبية , وعلى الخصوص البرازيل والأرجنتين وفنزويلا .
لقد ضرب أدباء المهجر الشمالي في أكثر الفنون الأدبية , وجاؤوا فيها بأفانين عجاب . لقد نظموا الشعر فتفوقوا فيه وأبدعوا في نظمه , وانتقاء موضوعاته وقوالبه , وكتبوا نثراً عاطفياً وتصويرياً واجتماعياً , فكان نثرهم شعراً رائعاً ساحراً , وكتبوا في القصة , فكانت أقاصيصهم ورواياتهم من أجود ماعرفه الأدب العربي في فن القصة , وقد نهج أغلبهم في آدابهم النهج الفلسفي , فكان أدب جبران , ونعيمة ونسيب عريضة ـ وشعر هؤلاء خاصة ـ يتميز بنزعته الفلسفية والروحية والاجتماعية , وترك إنتاج هؤلاء الأدبي أثره البعيد في حياة الأدب العربي الحديث .
أما المهجر الجنوبي فقد اقتصر أكثر ماذاع منه على الشعر دون النثر , وفي هذا الشعر نجد الشعر القومي والوجداني والأسطوري والاجتماعي , وقد انصرف المهجريون عن الكتابة بالعربية إلى التأليف بالإسبانية والبرتغالية , ومنهم مَن نال من الأجانب مكانة عالية مرموقة في هاتين اللغتين , وأما المذهب الأدبي الذي يشترك فيه الأدب المهجري إجمالاً فهو المذهب الرومانتيكي الذي تأثر به المهجريون كثيراً في أفكارهم وأساليبهم , ثم المذهب الواقعي والقومي , فكانت أساليبهم البيانية غاية في الجمال والبساطة , لأنها لم تتقيد بقيود الألفاظ والزركشة اللفظية , بل أرسلت إرسالاً لتعبّر بصدق وبساطة وحيوية عن الفكرة , أو العاطفة التي تمليها , ولكن غلبت الرومانسية على شعراء الشمال , والكلاسيكية المتطورة على شعراء الجنوب .
طيّب الله أوقاتكم بالخير
سلمية 6/ 10/2018
ظهير الشعراني
ملاحظة : " يتبع في المقالات القادمة"
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء