الشرف معاني وانزياحات
..............................................................................
يحلو للبعض التهكم على الشرف وعلى الذين يقسمون بشرفهم أو يدافعون عن شرفهم.
يصبح التهكم أقسى وأكثر حذاقة اذا عنى الشخص الشرف بالعرض أي بشرف شقيقته أو ابنته أو أمه.
يريد الكثير من الحداثيين يريدون الحداثة بدون شرف وبدون عرض. حتى غدا معنى الحداثة مطاطي ليبرالي مفتوح على مصراعيه.
يؤكد بعض المفكرين بأن الشرف لا يقتصر على الجسد. هذا كلام حق وصحيح، فالشرف لا يتعلق فقط بطهارة الروح وقوة الذات أمام الغريزة بل يشمل أيضا الصدق والأخلاق وإيفاء العهد والإخلاص في العمل والنزاهة في النوايا والتفكير.
كل هذه القيم والمعاني تشارك في جديلة الشرف. لكن البعض يهاجم ويصفع بأن الشرق جعل الشرف في اقذر عضو من الإنسان، في حين يمارس الشرق قلة الشرف في الكلام والعمل والسياسية.
لنناقش المسألة بعمق أكثر، الشرف لا يتجزأ هذا صحيح، لكن آدمية الإنسان مثبتة بتحكمه بغرائزه الحيوانية؛ فالفرق بيننا وبين بقية الكائنات الحية هو مدى قدرتنا على التحكم بالغرائز، ولهذا كان عارٌ أن يقارن الإنسان بالحيوان، وصنعت معظم الشتائم المتداولة بين البشر من أسماء الحيوانات
المسألة إذن لا تنحصر بفكرة الجنس نفسها بل بمقدار استحقاقنا للآدمية، والشرف الجنسي -إن صح المصطلح- برهان على رقي الكائن البشري وترفعه عن الغرائز والرغبات البهيمية، لهذا نصف شخصا ما يتحلى بهذه الصفات بأنه إنسان، وهي كلمة لا يستحقها كل البشر
ويروج البعض دونما شعور منهم للانحلال والتفكك الأسري على أن إنسانية الإنسان تكمن في ممارسته لرغباته، وأن الإرادة الحقيقية هي أن أمارس ما أريد بغض النظر عن طبيعة ما أفعل والنتائج المترتبة عليها
يصرون بوعي أو دون وعي على تحويل الكائن الحي إلى حيوان ناطق ضاحك يفكر بشهواته ونزواته وكيفية تحقيقها، إن هذا سيقود حتما إلى فوضى وانحطاط وتراجع إنساني مخيف.
لهذا فالشرف شأن كلي يعزز من إنسانية الإنسان ويعمقها، على سبيل المثال نحن نشعر بالعار اذا تخاذلنا في المعركة أو إذا قبلنا المذلة من شخص أو جهة أعلى فهذا منبعه الخضوع لغريزة البقاء والحفاظ على النوع والذات بأي وسيلة وهي مسألة نتطابق بها مع الحيوان لهذا نخجل منها
والعكس صحيح نحن كبشر نشعر بالفخار حينما نساعد المظلوم ونتصدى للقوي المتسلط، نشعر بالفخار حينما نتصدى للمعتدي دفاعا عن أنفسنا أو عن أشخاص نحبهم أو عن الوطن، فهذا السلوك يدلل على مقدرتنا وتجاوزنا لغرائز الخوف، هنا نتذكر قول المناضل الإنساني تشي غيفارا (اذا فرضت على الإنسان ظروف غير إنسانية ولم يتمرد فسيفقد إنسانيته شيئا فشيئا) ويقول مانديلا : (ليس حرا من يهان أمامه إنسان ولا يشعر بإهانة)
وهكذا فالإنسان الشريف هو إنسان تجاوز غرائزه وخوفه ووقف في وجه من يحاول إذلاله أو إذلال قومه، وليس بغريب أن تنتقل هذه الكلمة كما هي إلى لغات الأخرى مثل كلمة Sherif التي تعني الشريف، الشخص المواجه للشر، العمدة
وانتقلت مثلها كلمة نبيل لتصير noble والتي تعني شريف، شهم، ممتاز، رفيع المكانة
إن الشرف الشخصي يرتبط بالشرف العام فقبولنا الإهانة لأشخاص آخرين قريبين أو بعيدين عنا يفتح ثغرة في كياننا المعنوي الذي نسميه شرفنا. واستباحة الكرامة كما استباحة الجسد تهدر الكرامة والشرف. ولهذا ترى الأحرار يتفجرون قهرا" وألما" عندما يتعرضون للذل، وكثيرا ما يثورون في وجه من طعنهم في كرامتهم وكثيرا ما تتحول ثورتهم إلى عنف لا تحمد عقباه
الرجل أو المرأة حينما يضعف أمام غريزته فيضرب بعرض الحائط كل القيم والمبادئ ومشروع الأسرة الذي بناه أو الذي سيبنيه، لا يعبر إلا عن تغلب النزعة الحيوانية على النزعة الإنسانية في كيانه، مغامرا" أو مضحيا" بكل شيء من أجل شهوة عابرة. هل هذا ضد الشرف الإنساني؟ بلى إنه كذلك
يظن بعض (الرجال) أن الشرف للمرأة فقط، وهذا محض افتراء وتوهم وفكر منقوص.
لكن انهيار المرأة يعني انهيار المجتمع إذ إن (غلطة الشاطر بألف) وغلطة الأم بمليون.
لا عجب إذن أن يسعى اعداؤنا إلى انهيارنا أخلاقيا" وقيميا" ابتداء من الرجل -بدعوى الرجولة- وانتهاء بالمرأة -بدعوى الانوثة- وأن يسعوا أيضا إلى تدمير مفهوم الشرف في ثقافتنا بذريعة الحداثة والحرية والتحرر. بالطبع يريدوننا أن نتحرر من كل ما يعيقهم في مشاريعهم الجهنمية أولها أخلاقنا ووحدتنا وإيماننا
لا عجب أن تزيف القيم وتلغم فتصبح الإباحية ضرورة للتحرر الاجتماعي، ويصبح الانحراف شرطا للعقلية الثورية أو العقلية الليبرالية
كيف نناضل مجتمعيا ونحن مستباحون أخلاقيا؟ كيف سنبني مجتمعا كبيرا ونحن صغار أمام أنفسنا؟
حقا لا يمكن للعاهرين والعاهرات أن تطلق ثورة ثقافية حضارية تغير المصير المرسوم لنا منذ عقود أو منذ قرون
من يتقنعون بالحرية أو بالحداثة للخروج عن الآدمية ولتحطيم معنى الشرف هم أدنى من بائعي الهوى لأن هؤلاء ربما دفعتهم الفاقة إلى ما لم يتخيلونه يوما، هؤلاء لم يسموا الأشياء بغير أسماءها، وينتظرون الخلاص
ع . ح . الحموي
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء