ثنائية العقل والحرية
مقدمة بحث لي في مجلة المعرفة السورية الصادر بالعدد 603 ك1 2013 بعنوان " ثنائية العقل والحرية " :
في الطبيعة أجسام حية عديدة مختلفة الجوهر والماهية , وهي كما هو معترف عليها ثلاث ممالك : مملكة النبات , ومملكة الحيوان , ومملكة الإنسان . تتميز مملكة الإنسان عن المملكتين الأخريتين بالعقل , هذا العقل الذي جعل من الإنسان كائناً ممتازاً للغاية , بينه وبين سائر الحيوانات مسافة سحيقة , تستحق له مكانة خاصة .
وقد عرّف ديكارت الإنسان على أنه جوهر مفكر , وهذا التعريف يمنع أن يكون الإنسان حيواناً ناطقاً كما عرف في الماضي , ويوجب أن يكون ناطقاً ومفكراً , وهو بواسطة هذا العقل يحقق ذاته , ويتعامل مع الواقع والوجود والله , ويتعرّف على ما في هذا الكون من ظواهره وخوافيه كونه مفكراً , ويعتبر المثاليون العقل موهبةً خاصة بالإنسان تميزه عن سائر المخلوقات , فعن طريق هذا العقل يستطيع الإنسان أن يلج عالم المعنويات , وأن يفهم الأمور المجردة التي لا يستطيع أن يدركها بالحواس . فالعقل شيء معنوي , يختلف عن الجسم بطبيعته ووظيفته , لأن الجسم بنظرهم شيء مادي يخضع لجميع القوانين التي تخضع لها المادة , وله أيضاً صفاته المعروفة , ولو كان العقل مادياً لأصبح جزءاً من الجسم , يخضع لقوانينه ويشاركه صفاته المادية , ولكنه غيره , وآية ذلك أنه مصدر الإرادة , ومنبع الفرح والحزن , ومبعث الحب والكره , وما الجسم إلا ّ أداة العقل المادية التي يسّخرها لتنفيذ مآربه , وذلك أن العقل عند تعامله مع المادة , يستعمل العين مثلاً لرؤيتها , واليد لتحريكها أو نقلها من مكان إلى آخر , والأذن لسماع ما تحدثه من أصوات , فالعين , والأذن , واليد لا تدرك معنى الأشياء , لان ذلك من خواص العقل , ثم إن العقل يتذكر ويتأمل , يتذكر الماضي ,وقد يتنبأ بالمستقبل , فالعقل يدرك الجسم , ولكن الجسم لا يدرك العقل , والعقل كذلك يميز بين الخير والشر , وبين الحسن والقبح , وبين البعد والقرب , وما يجري مجراها من الأمور المجردة اللاحسية .... ومع كل هذا فإن العقل موجود داخل الجسم من وجهة النظر المثالية , وإنه يقوم بواجباته عن طريق الجسم , فما طبيعة الصلة بينهما ؟ وما هي العلاقة بين الجسم المادي والعقل اللامادي ؟ كيف يتم الاتصال بين هذين الشيئين المتناقضين ؟ تلك مشكلة فلسفية عويصة واجهت الفلاسفة , وذهبوا في تفسيرها مذاهب شتى ..... وبشكل عام فإن نظرية الفلاسفة المثاليين في نشوء المعرفة الإنسانية , تستند إلى نظريتهم في العقل ... وبما أن المعرفة تتعلق بإدراك الإنسان محتويات الكون المؤلف بعد التحليل والتدقيق من الظاهر والجوهر , أو المادة والفكر . هكذا فإن لدى الإنسان نوعين من المعرفة هما : المعرفة الحسية أو الجسمية , والمعرفة العقلية , أداة أولهما الحواس , وأداة الثانية العقل .
طيّب الله أوقاتكم بالخير
سلمية 13/ 9 / 2018
. ظهير الشعراني
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء