إيفا ميروفيتش
....................................................................................
لقد كرّست كل حياتي للشاعر الصوفي الكبير مولانا جلال الدين الرومي، لأني وجدت أن رسالته تخاطب الوقت الراهن. إنها رسالة حب، ذات بعد أخوي".
يكتب خالد عبده كذلك عن ميروفيتش: "سيدةٌ وقورة ترتدي زي السيدات العجائز في رحلة الحجّ لا تظهر ملامحها الأوروبية ولا شيء يميّزها عن بقية النساء التي تجلس بجوارهن، لكن بمجرد الحديث معها تجد أنك إمام امرأة مثقفة من الطراز الرفيع، ومريدة تحيا جمال التصوف والروحانيات بأسلوب فريد، تنتقل من قارة إلى قارة كي تتعرّف على ملامح الإسلام عبر رجاله قديمًا وحديثًا، وتناقش أعلام المستشرقين الكبار كماسينيون، وتنعقد بينها وعلماء الإسلام كمحمد حميد الله أواصر صداقة وطيدة ويجمعهما العمل العلمي والاجتماعي، لماذا لا تُذكر كثيرًا في المصادر العربية؟ ربما يكون ذلك عائدًا إلى قلّة الترجمات عنها ونستطيع أن نفهمه بسهولة، لكننا نندهش حينما نعلم أن الدراسات الصوفية الحديثة لا تلقي بالًا لمجهودها الجبار في نقل التصوف الفارسي إلى اللغة الفرنسية، وتسلّط الأضواء على جهود حديثة هي في أساسها لم يكن من الممكن أن تخرج لولا جهود إيفا!".
كيف تعرفت إيفا على عالم الرومي؟
في عام 1970 سافرت إيفا من باريس إلى مصر، وهناك درّست في جامعتي الأزهر وعين شمس. وحول اعتناقها الإسلام، تقول: "تعرّفتُ على الدّين الإسلامي بطريقة أكاديمية في بادئ الأمر، ودرستُ مؤلفات الشاعر الباكستاني إقبال دراسة عميقة. ودرست ما يتخلل شريعة الإسلام والسُّنة من أمور مبهمة على الفهم العادي، لكي أتعرّف على حقيقته، فقرأت للفيلسوف الغزّالي مثلًا وغيره كثيرين. واكتشفتُ أن الإسلام دينٌ حيّ. وقد كنتُ محبّة دومًا لتعريف البيضاوي وتفسيره للإيمان إذ يرى أن الإيمان يقتضي باختصار وتركيز (أن يتقبّل الإنسانُ الشيء على أنه حقيقي مع سلامة القلب والعقل). وقد رأيتُ أن الإسلام وحده هو الكفيل بأن يحقق لي هذا الإيمان".
حصلت إيفا على دكتوراه الدولة في الفلسفة، كما درست العلوم الإسلامية واللغة الفارسية لتنشر كتابها (التصوف والشعر في الإسلام) وخاصة عن الرومي والدراويش المولوية. تخصصت إيفا في الفلسفة الإسلامية، ولا سيما أدبيات التصوف الفارسي، وكانت دائمة البحث عن المخطوطات فقامت بدرسها وتلخيصها ونقلها إلى القارئ الأوروبي في لغة مبسّطة ومفهومة.
كانت إيفا تحلم بأن تعرّف الشعب الفرنسي وجميع الدول الناطقة بالفرنسية بالرسالة الجمالية للإسلام، وقد تمكنت من تحقيق حلمها عندما ترجمت أغلب أعمال جلال الدين الرومي.
يقول عبده إن إيفا قد ولجت إلى عالم الرومي عن طريق الشاعر الهندي محمد إقبال القائل: "صيّر الرومي طيني جوهرا …. من غباري شاد كونًا آخرا". فقد قرأت ميروفيتش كتاب إقبال، "إعادة بناء الفكر الديني للإسلام" فوجدت فيه الكتاب إجابات للعديد من أسئلتها عن ديانتها، فهي كانت مسيحية الولادة والنشأة. فالكتاب يحاور بعض الفلاسفة الغربيين، ويدعو المسلمين إلى إعادة النظر في منظومة الإسلام من دون تشكيل أية قطيعة مع الماضي. من هنا أقبلت على مؤلفات إقبال وقدّمتها للقارئ الغربي، ونقلت القسط الأكبر من أفكار إقبال الفلسفية إلى الفرنسية، وقسطًا وافرًا من أشعاره. لكن إقبال قد لفت انتباه إيفا ميروفيتش إلى الروميّ، فظهرت دراستها عن (الرومي والتصوف) عام 1977 بعد ما نالت درجة الدكتوراه في عام 1968 عن (التصوف والشعر في الإسلام).
في آخر محاضرة ألقتها في قونية، حيث مرقد الرومي، في 26 مايو أيار 1998، صرّحت إيفا للحضور قائلة: «أودُّ أن أدفن بقونية كي أبقى تحت ظلال بركات مولانا إلى يوم الحساب» وكانت هذه آخر رحلة إلى تركيا. رحلت إيفا في 24 من تموز يوليو عن عمر 89 عاماً ودُفنت في مقبرة قرب من باريس. لكن بعض أصدقائها الأتراك ساهموا في نقل جثمانها إلى قونية في 17 من ديسمبر كانون الأول 2008 في (احتفالية يوم العُرس) ذكرى رحيل الرومي.
مختارات من رباعيات جلال الدين الرومي:
هذا الصباح، قطفت وروداً من البستان
خشيت أن يلمحني البستاني
سمعته يخاطبني بكل رقة:
"ما الورود؟ سأمنحك البستان كله".
هذا اليوم، يوم الضباب والمطر
لا بد أن يجتمع الأصحاب
فالصاحب مصدر سعادة لصاحبه
مثل باقات الأزهار الذي تولد في الربيع.
قلت: "لا تقعد حزيناً بصحبة المعشوق
لا تجالس سوى ذوي القلوب الحنونة والوديعة
عندما تدخل البستان، لا تتجه صوب الأشواك
لا تجاور سوى الورود، وأزهار الياسمين والنسرين"
منقول
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء