من التاريخ : (أبو رغال)
"أبو رغال ) هذا قال عنه تاريخنا أنه رجل في اليمن قد خان قومه مذ وشى بهم إلى أعدائهم , فأوذيَ قومه بخيانته , ثم ذهب القوم , وذهب أعداؤهم , ولكن بقي اسم " أبي رغال" يذيع في الزمن أنّ شعباً في العرب لم تكن في طبعه الخيانة , وأن خائناً واحداً في هذا الشعب ندّت به نزوةٌ عارضة , فإذا هو سُبّة ولعنة في الأيام , وإذا اسمه جيفة في دروب الزمن تنشر النتن , ثم يستحيل النتن عبقاً من العبق الطيب يدل أنّ العرب كلهم قد أنكروا على "أبي رغال" فعلته النكراء , فشهّروا به تشهيراً , وصلبوه على خشبة لعلها أقدم خشبة ُصلب عليها خائن في التاريخ .
لقد صلب العرب الأقدمون " أبا رغال" على هذه الخشبة الراسخة أبداً في طريق القافلة العربية , نعني بها هذا المثل السائر الذي يحيا ولايموت , فقد ظلت العرب منذ تلك الخيانة حتى اليوم تشير إليه في الأمثال , فتسمّي كل خائنٍ "أبا رغال" . فهل يدل ذلك أن الخيانة كانت نادرة في العرب يومذاك وأن الخونة قد انحصروا في رجل واحد , في " أبي رغال" هذا ؟ .
أغلب الظن أن ذلك هو معنى هذا المثل , وإلا فلو كانت الخيانة شائعة يومئذ في العرب , لما صحّ أن يضربوا بخائن ما مثلاً يسير في الأرض العربية طولاً وعرضاً .
فيا لبئسَ المصير , مصير هذا الخائن , ويالنعمَ شعباً كان يندر فيه الخائنون قومهم على مثال مافعل " أبو رغال" .
وأقول لكم الحق أن شخصية "أبي رغال" هذا تملأ نفسي فتنة وروعة , لأن فيها وحدها تاريخاً عجباً , فما ذكرتها مرة ولاسمعتها مرة إلا لمحت وراءها أمة ترى في الخيانة أمراً مُنكراً , وترى في الخائن , ولو كان فرداً واحداً في القبيل , أمراً حقّت عليه لعنة الأجيال أبد الآبدين .
" عن كتاب : تراثنا كيف نعرفه " للكاتب حسين مروّة "
طيّب الله أوقاتكم بالخير
سلمية 10/10/ 2018 ظهير الشعراني .
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء