الثورة الحقيقية(3)
............................
يتوضح لنا أن الثورة فعل تراكمي مستمر، وهذا هو شرطها اللازم والضروري أما الأفعال المؤقتة وخصوصا الفردية منها فمهما عظمت فستبقى مهددة بالانحسار والتراجع ما لم تتحول إلى أفعال جماعية دائمة.
التاريخ لا يخلو من براهين على ثورات سياسية ذات طابع سلمي، نذكر هنا ثورة استقلال الهند المدنية والسلمية عن الاستعمار البريطاني التي قادها المهاتما غاندي.
أما إذا اعتبرنا انتشار الأفكار والعقائد هي بمثابة ثورات فكرية وثقافية أدت إلى تغيير بنيوي في المجتمعات وفي حياتها ككل فسيتبدى لنا أن كل من المسيحية والإسلام والبوذية والماركسية والبروتستانتية هي ثورات مجتمعية بغض النظر عن صحة أفكارها.
إنها على عكس التحولات الاقتصادية التقنية (الثورة الصناعية - الثورة الإلكترونية ...) لاقت معارضة من المجتمع والسلطة لكن كان لها الفعل المجابه فاستطاعت أخيرا أن تقلب المجتمع وفق رؤيتها.
إن الأمثلة في التاريخ حافلة بالثورات السلمية سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو فكرية.
الثورة إذن في معناها العميق هي إرادة التغيير بالطرق السلمية والمنظمة، والعنف ليس شرطا لازما كما يدعي البعض، فهي في جوهرها يفترض أن تكون إرادة متواصلة قد تستغرق عقود أو حتى قرون في حين أن ثورة العنف هي ثورة قاتلة سريعة تنطوي على إرادة عمياء مؤقتة غالبا ما يليها الندم والكسل والانحناء لسادة الثورة الجدد.
والثورة لا يمكن أن تقوم دون علم ومعرفة ودون تصورات عن الحالة المستقبلية؛ فالثوار هم صانعو المستقبل ومهيئوه؛ وهم المسؤولون عن إدارة التحولات الاقتصادية والثقافية في البلاد، وكل هذا يحتاج إلى عقول مبدعة وإلى قلوب سامية مترفعة عن الكراهية والاحقاد؛ فالثورة أيضا في صميمها محبة للإنسانية وللوطن وللناس على مختلف تلاوينهم، بما فيهم جمهور القوى السياسية السابقة.
فالكراهية والتعصب الأعمى للأفكار بما فيها الافكار الحديثة لا يمكن أن ينتج مجتمعا جديدا إلا من حيث الشكل فسييقى من حيث المضمون مشابها لسابقه كونه قام على إلغاء ومحو الآخر.
الثورة إذن هي الوعي الانساني المجابه القائم على المعرفة والمحبة.
علي حسين الحموي
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء