بين سلمية ودير عطية.. " قصة مدينتين "
....................................................................................
قال لي غاضباً :
( هل تعلم أن أغلبية شعبنا مأنشح ، مأنشح بالمعنى الحرفي للكلمة ، يعني وسخ ، قذر ، عفش ، غير مرتب .. مأنشح لأن أبوه كان مأنشح وأمه مأنشحة ، بمعنى أدق مأنشح لأنه ابن بيئة مأنشحة ... )
تابع كلامه دون أن يكترث لدهشتي واستغرابي من هذا الغضب الذي لم أعهدهُ فيه :
( تخيَّل يارجل .. عندي جار سبعيني مأنشح ، يُصرُّ على وضع قمامته أمام مدخل بيتي كل يوم بعد مرور سيارة البلدية ، مع أن حيَّنا مجهز بالحاويات ، والحاوية لا تبعد عنه أكثر من ثلاثين متراً ، ولما سمع مني شتائم تفوق عدد سنوات عمره ، توقف عن فعل ذلك ، لأكتشف لاحقاً أنه أصبح يرمي قمامته أمام مدخل الجيران ، مع أن مدخل الجيران و حاوية القمامة متساويان في المسافة عنه ... بشرفك .. أليست هذه ثقافة النشح المتأصلة في الذات ... ؟ ) .
تركتُ صديقي يردح في منتصف الشارع ، وسرتُ في طريقي متذكراً الرهان الذي خسرتهُ مع أحد أصدقائي في دير عطية منذ سنتين ، عندما تحدَّاني أن أجد عقب سيجارةٍ واحد مرميٌّ على الأرض ، وقبلتُ التحدي لاعتقادي أن دير عطية التي تحوَّلت حاراتها وشوارعها طوال عام ٢٠١٣ إلى ساحة حرب حقيقية ، وتعرَّضت بلديَّتها لما تعرَّضت كافة بلديات سوريا من تخفيض كبير على ميزانيتها ، لن تستطيع المحافظة على نظافتها المعهودة .
لكنني خسرتُ في دير عطية الرهان ، ولم اتمكن من العثور على عقب سيجارة واحد مرمي على الأرض في تلك المدينة النظيفة الجديرة بالاحترام ، المدينة التي تحولت فيها النظافة إلى ثقافة اجتماعية وفردية راسخة بغضِّ النظر عن الظروف التي تمر مدينتهم بها .
في مدينة الفكر و الشعر والثقافة أرى منذ سنوات مئات الشبان والشابات يقومون بجمع النفايات و كنس الشوارع في حملات مستمرة ليس لها مثيل في اية مدينة سورية أخرى . ترعى هذه المشاريع وتمولها جهات محلية ودولية مختلفة ، مع ذلك فإن شيئاً لم يتغير في سلوك الناس ، ولا يزالون يرمون نفاياتهم في أي وقت ، وفي كل مكان ، ضاربين عرض الحائط بكل هذه الجهود التي كان بإمكانها أن تُحوِّل سلمية إلى واحدةٍ من أنظف المدن .
شكراً لكم أيها الرائعون ذوو القبعات البيضاء ، إذ لولاكم لبلغ نشحنا الزبى.
الصور للعاملين في مشروع نظافة سلمية ( لنعمل معاً ) و اللوحة للرائع Azam Sharani
أ.عبد الكريم حورية
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء