pregnancy

الاستقطاب القاتل








الاستقطاب القاتل
...............................................................................

تنطوي مجتمعاتنا العربية عموما والسوري خصوصا على حالة من الاستقطاب بين المد الإسلامي والمد العلماني يقابله جزر قومي اجتماعي واشتراكي. للأسف حالة الاستقطاب هذه مرفقة بحالة من عدم الاستقرار وضعف اقتصادي ومعيشي.
لنعد إلى احداث (الخريف العربي) حيث حُوِلَ الحراك الاجتماعي السياسي السلمي بقوى امبريالية ورجعية إلى حركات مسلحة متأسلمة ذات طابع إرهابي. وبذلك تكرس الاستقطاب في المجتمع كمقدمة للانفصام المجتمعي ومن ثم التقسيم لا قدر الله.
الملاحظ في الاستقطاب الإسلامي-العلماني حالة التشنج لدى الطرفين فعدوى التطرف للأسف أنتقلت من الإسلاميين (الوهابيين أو الإخوان) إلى شريحة لا بأس بها من العلمانيين (المؤمنين وغير المؤمنين) فأصبح الصوت عاليا وأصبحت هناك غلظة في الكلام وفي توجيه الاتهامات.
بالطبع الشعوب العربية كانت موضوع الاستقطاب ومحوره فكل قطب يحاول أن يستدرج جماهير المجتمع إلى صفه.

 غذى القمع وكذلك الفاقة والعوز المالي حالة الاستقطاب فتحول القهر المادي والاجتماعي إلى غل وضغينة على القطب المناوئ واستشرس العداء وكأنه اي الطرف الآخر هو سبب كل كارثة، في حين أن الطرفين يخضعان موضوعيا لذات الشروط القهرية ومنها الظروف الاقتصادية الصعبة كنتيجة لضعف الإنتاج والدخل وتراجع القيمة الشرائية واستشراء الفساد  
وبالمقابل عرضت الأموال فجنحت الطبقة المسحوقة والفقيرة الدنيا إلى من يدفع اكثر، مع أخذ الميول الفكري والديني بعين الاعتبار في حين تمسكت الطبقة الفقيرة العليا والطبقة المتوسطة بشيء من الاستدلال والتفكير المنطقي كونهما الحامل الاجتماعي للقيم والثقافة والمعرفة في المجتمع.

ولكن ما الذي يستهدف إليه الحلف الإمبريالي الصهيوني الرجعي من الاستقطاب الإسلامي-العلماني في كل من سوريا ومصر والعراق وليبيا وتونس والجزائر وغيرها؟ إنه ببساطة يستهدف إلى نشوب سلسلة من الحروب الأهلية تمتد لعشرات السنين لا قدر الله، من خلالها ستصفى المجتمعات العربية ماديا ومعنويا فتنتهي الشعوب بين القتل والتشريد والذل في الآفاق.
قد تأخذ هذه الحرب أشكالا تمويهية متعددة مثل حرب اسلامية-مسيحية ربما كانت بدايتها في حرب لبنان الأهلية. أو حربا سنية-شيعية مقدماتها تمثلت بالحرب الإيرانية العراقيةأو أشكالا أخرى عديدة معاصرة ومستقبلية لا قدر الله
إن الاعتقاد بأن الحرب في منطقتنا انتهت لا يخلو من التفاؤل المبالغ به، ذلك أن الاستقطاب ما يزال مهيمنا والتردي الاقتصادي والانحدار الثقافي والمعرفي هو الوقود الذي يغذي الانشقاق والفتنة. عدا عن الشرارات ومؤججات الصراع التي تظهر بين الحين والآخر لتعيدنا من جديد إلى مربع البداية

وبقدر الخطر الكبير الذي ينطوي عليه الاستقطاب فإن الحل قد يكون أسهل من المتوقع وأقرب إلى  البديهيات، ببساطة علينا جميعا التحلي بالوعي وقبول الآخر طالما أنها آراء غير قاتلة، و الأهم من ذلك كله رفض الإصطفاف
فيجب أن تلقى محاولات تقريب وجهات النظر كل التقدير، علينا أن ننظر بعين الاهتمام إلى كل محاولة من الإسلاميين لتوضيح فكرة أن الإسلام المعتدل لا يعادي الإنسان ولا حريته المنسقة. وبالمقابل احترام العلمانيين على طرح أفكارهم بطريقة لا تجرح قطاعا كبيرا من المجتمع ومعتقداته
يجب أن نتجرأ على مد جسور اجتماعية بالصداقة أو الزمالة أو الزواج، لأن غالبية هذه  الأضداد ظاهرية، فالانتماء الوطني والثقافي غالب، كما أن وجود هوامش متقاطعة مسألة واقعية وليست خيالية يمكن البناء عليها
كذلك إن إعادة الاعتبار لوحدة الصف الطبقي يخفف كثيرا من الثقل الإيديولوجي. بالنهاية كلنا يخضع  للأحمال الاقتصادية العنيفة عينها، كلنا يريد أن يدفع بأطفاله قدما وان يبعد عنهم العوز والفاقة.

إن الاستهتار بالآخر المخالف للرأي والسخرية منه أو القسوة لن تفضي إلا إلى مزيد من المآسي المجتمعية. الذين لا يرون في الإسلام إلا ظلاما ورجعية عليهم إعادة قراءة المضمون الإسلامي للتعرف على معاني العدل والإحسان فيه، والذين ينظرون إلى العلمانية كمحض كفر عليهم أن يتعرفوا على الجانب الديمقراطي والمعرفي فيها. علينا جميعا أن نبني جسورا بين بعضنا البعض وتصحيح ما نظنه خطأ عند غيرنا بأسلوب غير خاطيء، فالأسلوب نصف الحياة، والمحبة والمرونة أفضل طريق للوصول إلى العقول.
من ناحية أخرى يجب تنبيه الحكومات أو الضغط عليها إلى كل إجراء قد يمس بهذه الجسور أو قد يزيد من حدة الاستقطاب. على سبيل المثال لعبت المصالحات الوطنية في سوريا دورا إيجابيا في تخفيف حدة الاستقطاب في الشارع السوري في حين لعب المرسوم رقم 16 الذي يجعل من وزارة الأوقاف دولة داخل دولة دورا في زيادة الاستقطاب على المدى المنظور والبعيد.
أخيرا إن البناء أصعب بكثير من الهدم، فمن السهل أن نهدم ما بيننا من روابط برعونة أو تحزب أعمى أو اصطفاف سياسي أو مذهبي، لكن من الصعب إعادة لحمتها وبنائها، وهنا بالضبط تكمن جدارتنا كأشخاص وكمجتمع.

علي حسين  الحموي
شكرا لتعليقك