pregnancy

مسرحية هيبوليت ليوربيديس





مسرحية هيبوليت ليوربيديس
..............................................................................

ليست هذه المسرحية أفضل مسرحية كتبها يوربيديس ولا هي أشهر مسرحياته التي وصلتنا ولكنها مع ذلك مهمة في فهمنا للتطورات التي أدخلها يوربيديس على المأساة ومهمة أيضا في تعرفنا على أن المسرحية الدينية لم تختف تماما بعد ظهور كتاب التراجيديا اليونانية الثلاثة الكبار أيسخيلوس وسوفوكليس ويوربيديس بل ظل لها صدى وحضور في المسرحيات التاريخية والأسطورية والواقعية يزيد هذا الصدى وهذا الحضور أحيانا وينقصان أحيانا أخرى 
وهذه المسرحية تصور الشاب الفارس هيبوليت الذي لا يعبأ بغير القتال والصيد ولا يهتم بالمرأة والحب ولهذا يكثر من تقديم القرابين لربة الصيد الوثنية أرتميس في حين لا يهتم بربة الحب الوثنية أفروديت ولهذا تصمم أفروديت على الانتقام منه وتظهر في بداية المسرحية وتلخص أهم الأحداث فيها ليسهل على المشاهد متابعة ما سيجري بعد ذلك من أحداث فيها وتقول إنها ستنتقم من هيبوليت الذي يتجاهلها فسوف تجعل زوجة أبيه فيدرا تعشقه وسيدفعها حبها لاتهامها إياه عند والده بالتحرش بها وتتنبأ بما سيحدث عند ذلك بأن والده سيدعو بوسيدون رب البحر الوثني بإهلاكه ويستجيب له ويموت هيبوليت عند تعرض خيول عربته لموجة عنيفة قرب البحر فتجمح الخيول وتهشم العربة ويقضى على هيبوليت 
ولا شك أن أفروديت بحديثها هذا لا تكتفي بتوضيح الأحداث السابقة على بداية المسرحية - كما هو المعتاد في مسرحيات يوربيديس الأخرى في ظهور شخصيات في بدايتها تقوم بتلخيص أحداث سابقة دون أن تقضي على التشويق بذكر ما سيحدث في المستقبل - بل تذكر ما الذي ستنتهي له الأحداث وبهذا تقضي على التشويق بالمسرحية وعلى رغبة المشاهد في ترقب ما الذي سيحدث بها وربما وجدنا في بعض المسرحيات الحديثة بناء للمسرحيات قريبا من هذا لا سيما في المسرح الملحمي فليس المهم في تلك المسرحيات الحديثة أن يكون المشاهد لها متلهفا ليعرف كيف ستطور الأحداث بها ولكن الأهم فيها ما تثيره من قضايا ليتفاعل معها المشاهد وفي هذا ما يجعل هذه المسرحية رائدة في أسلوب بنائها وكذلك هي رائدة في اهتمام يوربيديس فيها بتصوير المشاعر والعواطف خاصة عاطفة حب فيدرا لهيبوليت فلم يكن كتاب التراجيديا قبل يوربيديس يجيزون لأنفسهم الحديث عن هذه العواطف وجعلها محور اهتمامهم في مسرحياتهم ولهذا نرى أرسطوفان هاجم على لسان أيسخيلوس يوربيديس في مسرحية الضفادع بأنه أفسد الشباب بحديثه عن الحب بين الرجال والنساء 
وبالطبع ما يأخذه أرسطوفان على يوربيديس هنا هو جانب أخلاقي وليس فنيا وقد كان يوربيديس واقعيا في تصويره لمشاعر الحب بين الرجال والنساء 
ولهذا ليس غريبا أن نرى كتاب الكلاسيكية الحديثة في فرنسا في القرن السابع عشر يهتمون ببعض مسرحيات يوربيديس لأنها صورت العواطف البشرية كما نرى في مسرحية فيدر التي استوحاها راسين من مسرحية هيبوليت ليوربيديس 
وفي رأيي أن مسرحية راسين أفضل بكثير من ناحية البناء الفني من مسرحية هيبوليت حتى لكأن مسرحية فيدرا صياغة ثانية لمسرحية هيبوليت تتحاشى عيوبها وما كان مستساغا عند اليونانيين من ظهور الآلهة وقيامهم بأدوار فيها وليس هو بمستساغ في القرن السابع عشر 
وهيبوليت في مسرحية يوربيديس شخص قد من حجر فلا يتحرك قلبه لأي امرأة ولا يفكر في العشق والنساء وفي هذا ما يتنافى مع الطبيعة البشرية أما هيبوليت عند راسين فهو محب ولكنه أحب فتاة أخرى غير فيدرا فغارت منها فيدرا ولهذا كادت لهيبوليت عند زوجها 
وفيدرا عند يوربيديس تحب ابن زوجها هيبوليت فجأة بعد أن أوحت لها أفروديت بذلك وهي حين تنتقم من هيبوليت لصده عاطفتها نحوه تسعى لتدميره فتكتب رسالة تضمها يدها بعد انتحارها تتهم فيها هيبوليت بالتحرش بها ولهذا يدعو والده عليه بالهلاك أما فيدرا عند راسين فهي امرأة تزوجت من الملك الشيخ ثيسيوس ولكنها تنجذب بعواطفها لابنه الشاب وتتكتم في إظهار عواطفها حتى إذا جاء الخبر بوفاة ثيسيوس في مكان ناء صرحت بمشاعرها لهيبوليت ولكنه لا يعبأ بها لأنه يحب فتاة أخرى وحين يتضح عدم صحة خبر موت ثيسيوس تخشى فيدرا أن يفضحها هيبوليت عند أبيه فتنتحر ويظن ثيسيوس خطأ أن ابنه أساء لفيدرا من خلال حديث وصيفة فيدرا له فيدعو عليه بالهلاك وتستجاب دعوته فيهلك
وفي مسرحية فيدرا لراسين يتضح بشكل جلي الصراع بين العاطفة والواجب بما لا نرى وضوحا قويا له في مسرحية هيبوليت ليوربيديس
وتظهر ظلال المسرحية الدينية في هذه المسرحية بالحضور القوي لربة الصيد وربة الحب الوثنيتين فيها فربة الحب تلخص أحداث المسرحية في بدايتها وتذكر كيف ستنتقم من هيبوليت فيها لأنه يتجاهلها من بين الآلهة اليونانية الوثنية أما أرتميس فتظهر في نهايتها وتوضح لثيسيوس كيف أنه أخطأ في ظنه بأن هيبوليت اعتدى على زوجته وأنه كان مخطئا في دعائه عليه إنها تفك الاشتباك في المسرحية وتتوعد أفروديت بأنها سترد على ما فعلته بهيبوليت بانتقامها من أحد عبادها إنها الآلهة الناسوتية التي فيها عواطف البشر ولهذا تتصرف كثيرا مثلهم كما يصور لنا هذا المسرح اليوناني القديم
علي خليفة
شكرا لتعليقك