كنزنا بين أيدينا
.............................................................................
جملة بسيطة قالتها لي مغتربة،أرضهم لاتنتج إلا البطاطا، والمناخ لايساعدهم
أما أرضنا فإنها تنتج أجمل وأطيب الخضار الطبيعية،فكل شيء عندهم مستورد...!
كان ذلك كلاما بسيطا بالنسبة لها
لكنه حرك في داخلي أفكارا متزاحمة،قديمة وجديدة...
وتخيلت بيتنا الجميل البسيط... وبيوت كل من حولنا
كل بيت في بلدنا كان عبارة عن كنز حقيقي، ونحن لم نشعر بقيمته وأهميته.
وكل أرض في سورية هي ثروة كبيرة...
ماأطيب عنب دارنا الذي كان يبقى حتى الشتاء،بطعم المسك.
غريب ذلك المذاق، ربما تأثر بتلك اليد الحنونة التي كانت تُقلم وتسقي وتحفر، فازداد العنب عمرا وطاب.
وشجرةالمشمش اللوزية الكبيرة، التي أخذت الحيز الأوسع من البيت، والتي انكسر غصنها بسبب العيون الحاسدة كما يشاع...
وشجرة الكرز البري، الذي يشبه العنب الأسود، وله قصته الخاصة به
وشجرة الكرز ذات الحبات اللامعة،المتميزة بجمال عناقيدها، بلونها الخمري،والتي كنا نأكل منها ونطعم الأحباب والأصحاب...
والبرتقال، والليمون، والأكدنيا...
ومشاتل ورود البيزة، وتم السمكة من كل الألوان، والتنتة والنرجس ...
ومساكب النعنع، والبقدونس، والرشاد، والبندورة الطبيعية...
تخيلت (الموشه)اسم يطلقه بعض من أهالي الساحل على بستان يحوي كل أنواع الأشجار والخضار،وهي حديقة مسيجة ولها باب مقفل، وتحت الكروم والأشجار يزرعون الفول وكل أنواع الخضار...
كان كل بيت في بلدنا مكتفيا ذاتيا،وكل بيت منتزها مريحا وجميلا
لقد أبدلنا ذلك كله بالبيوت المغلقة، التي لا ترى نور الشمس، وحرمنا أنفسنا من دفئها
ومن خيرات كثيرة طبيعية وغير ملوثة...
وأصبحنا نبحث عن متنفس في الحدائق العامة والأرصفة
زحف البناء حتى لأماكن نزهتنا، حول خط الري، الذي ظننته وأنا صغيرة،...نهرا...
وإلى التل الأخضر،والأراضي المزروعة بالقمح والشعير حوله...
والتي كانت تروى من المياه الجوفية، التي تتدفق من متورات المياه بغزارة، ولها صوت قوي، والذي لم يكن مزعجا.
ربما لأنه يبعث الحياة في الحقول، ويساعد الفلاحين على زيادة محصولهم...
وبعضها بعل،تعتمد على موسم الشتاء، ترتوي من ماء السماء المنهمر وخيرها الوفير.
والجميع ينتظرون مطر آذار وأسمع أمي وهي تقول المثل:
(إن أقبلت آذار وإن أدبرت آذار)
لأن مطر آذار هو الذي يعطي الفلاح أملا بنجاح المحصول، وهو الذي يجعل السنابل ممتلئة وناضجة.
وورود الربيع من جميع الألوان والأشكال تشكل مروج طبيعية تبدو من بعيد ، سجادةحمراء بسبب شقائق النعمان، التي يقولون إنها اكتسبت لونها من دم أدونيس، وكان الرومان يستخدمونها للحمى والنمش ...
أما الآن فيقولون عنها إنها سامة بكل أنواعها
كما تنبت مروج من الورود البرية، الصفراء و البيضاء، وكأنها مزروعة بإتقان، كنت كلما قطفت وردة، أحدث نفسي بأن هناك يد خارقة صنعت هذا الجمال الآخاذ...
وجبل الخضر الذي صعدته بعد عناء كبير، لعلي أجد ما يدل على ذلك القديس الذي سكنه، يقولون إذا مر بمكان، تحولت الأرض التي يمر بها لربيع أخضر، كنت أصدق ذلك...
لكنني للأسف عندما صعدته، لم أر سوى حجارة متساقطة حول المحراب، لقد نزلت حزينة خائبة،أمشي بخطوات بطيئة أكلم نفسي،وأتساءل من الذي هدم هذه الأماكن الأثرية وجعلها تندثر.
منذ إن تهدم محرابه لم يأت الخضر، وأصبحت الأرض قاحلة وجفت الينابيع...
ولمرة واحدة،صعدت إلى قلعة شميمس مع عائلتنا كان ذلك في أيام الربيع الجميل، وحقول القمح تغطي ماحولها بمنظر خلاب، لقد وجدت عملة معدنية،ولا أعرف لأي زمن تعود، ولأنني لاأعرف أهميتها فقد رميتها...
ولم أتجاوز الخندق، الفاصل بين بناء القلعة وسطح الجبل، وعيوني على القلعة وفي داخلي فضول لاكتشاف ماوراء جدرانها،والجميع يتحدث عن بئر للزيت وآخر للمونة،وثالث للماء...
نزلت من الجبل بصعوبة،وأنا أتخيل هؤلاء الرجال الأبطال، الذين كان يسكنون القلعة،وأنا متأكدةبأن قوتهم مثل عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح" إذ قد وصفوا بالطول الفارع، وضخامة الأجسام حتى حيكت حولهم الخوارق والمعجزات، وحكيت عنهم الأساطير والأخبار، ونُظمت فيهم القصائد والأشعار،
وأناأنظر إلى قدمي وهي ترتجف، حتى لاأتعثر بالحجارة، أسترق نظرات إلى أسفل الجبل، وأشعر بدوار رهيب...
أتساءل...
لماذا أهملنا كل ذلك الخير؟
لماذا لم نعد ندرك الكنز الحقيقي الذي هو بين أيدينا؟
لماذا فقدنا عشقنا للزراعة ...
إلى أرضنا وكنزنا مصدر عيشنا ووجودنا...؟
بقلمي
بقلمي
دلال درويش
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء