pregnancy

من سيرة عبد الله الفاضل "قصة انتماء وفخر ووفاء"





من سيرة عبد الله الفاضل
 "قصة انتماء وفخر ووفاء"
.....................................................................................
مَنْ يخطر بباله شخصٌ ، تغنّى بقومه ، رغم أنَّهم نبذوه..وعَانى الألمَ والحسرة ، وجابَ الصحراء ..ومع ذلك ؛ لم تنطفئْ لديه جذوةُ الانتماء والافتخار بقبيلته . إنه الشيخُ الفارسُ الشاعر " عبد الله الفاضل "، والذي ينحدرُ من عشيرةِ الحْسِنِهْ (قبيلة عْنِزِه) ، والذي وُلِدَ حسبَ المصادر التاريخية حوالي 1800 م (القرن الثاني عشر الهجري) ؛ بمنطقة العلَا ؛ الواقعة بين تدمر شرقاً وحمص وحماة غرباً ، لأن قبيلَته استقرَّتْ في بادية الفرات.

أُصيبَ بمرض الجدري ، وهو في ريعان الشباب . وكان آنذاك سيّدَ القبيلة وفارسَها وشاعرَها . ومن عادات العرب آنذاك ؛ وأعراف القبيلة أنه ؛ إذا وقعَ هذا المرض ، كانوا يأمرون المريض ؛ بتركِ القبيلة والتوجّهِ إلى أرض الله الواسعة ، حتى يواجهَ مصيرَه ؛ إما شفاءً أو موتاً (حسب مشيئةِ الله) . وهذا القانون ؛ كان يُطبَّقُ بحقِّ جميعِ أفرادِ القبيلة ؛ حتى على زعيمها.
وكونُ عبد الله الفاضل من نسلِ الكرام وشيخَ القبيلة ..صَعُبَ عليهم ، أن يأمروه بالرحيل ، فرحَلوا عنه ، وتركوه ..تركوا شيخَ القبيلة وفارسَها في غيبوبة حمّى الجدري..لا أنيسَ إلا ربابةً معلقةً في عمود البيت و كلباً وفيّاً (شير) ، رفضَ المسيرَ مع القافلة ..ونحروا له جزوراً قريباً من الخيمة.

تقولُ المصادرُ، أنه شُفِيَ على يد امرأة من قبيلة ( صَلْبَه) ..ولمّا أفاقَ ، وعرفَ ، أن عشيرتَه رحلوا ،وتخلّوا عنه ، واتجهوا غرباً إلى بادية حمص وحماة.. خاطبَ كلبَه شير قائلاً ؛ بكلِّ الألمِ والحزنِ والحسرة :

" هَلَكْ شالو على مكحول يا شير؟؟
وخلّلولكْ من عظامِ الحيلْ يا شير 
يلو تبجي(تبكي)بكل الدمع يا شير
هلك شالوا على حمص وحماة " 

ولما تعافى كلياً من المرض ، حملَ ربابته ، وأخذَ معه كلبَه الوفيَ(شير) ..وجالَ يجوبُ الصحراءَ ؛ مقتفياً أثرَ قومِه وأحبّته..فالصحراءُ شاسعة ، والسرابُ خادع ، ولا يدري أين يتَّجه ..لكن (وحسب المراجع) ؛ عقدَ العزمَ ، أن لايعودَ لأهله أبداً ، لأنَّهم تخلّوا عنه في محنته. وكان الجدري ؛ قد غيَّرَ ملامحَ وجهِه الجميل ، وطمسَ معالمَ الحُسنِ والوسامةِ ، وباتَ من الصعب التعرّف إليه..!!
 كلما حلَّ ، ونزلَ على قومٍ ، سألوه عن نفسه..يتركُ لأشعارِه العنانَ (بأسلوب العتابا) ؛ ذاكراً محاسنَ قومه وعزِّهم وجودهم وكرمهم . وما أقساه وأصعبه من شعور..وما أشدها من لوعة فراق الأهل والأحباب !!.ومن كثرة تنقلاته وسيره وحيدا ينتقلُ بين القبائل وفي الصحراء ، لُقِّبَ (بساري العبد الله) .

تقولُ أحدُ الروايات ، أنه مرَّ بقومٍ ، لم يقدِّروه حقَّ مكانته وقدره ، ولم يعرفوا حقيقته ، فقدَّموا له الطعام في صحون صغيرة..لا يليق بسيِّد العشيرة ، ولا حتى بأيِّ بدويٍّ عزيز النفس ..ففاضتْ نفسُهُ الحزينة ؛ قائلاً:

"هَليْ للشاذري طاحونْ يصحون
دواهيج لعظم الضد يصحون
هلي ما دارم الميدات بصحون
خنادقهم تحفر من عشا"

" هلي سَمْح الطرايق وشملوهنْ
يا عود الحور عالي وشملوهنْ
هلي عَوِجّْ المناسف وِشْ مَلوهنْ
حَميس الضأن بسنين الغلا "

تقولُ الروايات ، أنه نزلَ أخيراً في ضيافة وديار " تمر باش " ، وهو زعيمٌ كرديّ ، مركزُه كان في قرية غرب رأس العين السورية..، وعَمِلَ صبّاباً للقهوة العربية ؛ في مجالس الشيخ . وفي أحد الليالي ؛ تعرَّضَ لإهانةٍ وأذيّةٍ نفسية..وعندما سكنَ الليل ، ودبَّ السكون ، فاضَتْ نفسُهُ شعراً بالعتابا الحزينة ..وراحَ يذكرُ محاسنَ عشيرته ، وهو يقول :

" هَلي ما لبَّسوا خادمْ سَمِلهم
و بجبود (بكبود) العِدا بايتْ سمّ إِلهم 
إن كانْ أَهلكْ نَجمْ أهليْ سَمالْهُمْ
كثير من النجم علّا وغاب

هَلي وَيّاكم يلذّْ العيشْ والطيبْ
ونَسايمْكمْ تِداوي الجرح ويْطيبْ
هَلي مِنكم تعلَّمتِ الوَفا والطِيبْ 
هَلي يا هلِ المضايفْ والدلالْ "

استغرَبَ تمرباش ، وعرفَ ، أنَّ هذا الكلام لا يخرجُ من صبّاب قهوة ، وعرفَ صفات أهله من شعره . ولما كُشِفَتِ الحقيقة ؛ بعد التأكّد ، اعتذرَ منه تمر باش ، فأعزَّه و أكرمَهُ ، وطلبَ منه البقاءَ عنده (يقال عرض عليه أنه يتزوج بابنته فاعتذر لعزة نفسه).

سمعَ بأخبار أهله وعشيرته ، وسكنَ قريباً منهم في بادية حمص حماة . تنوَّعتِ المقولاتُ والروايات في كيفية عودته لأهله (عشيرته) ، ولكن اخترْتُ إحداها ، والتي تقول :

أرسَلوا إليه جماعةً من عليَّةِ قومه ؛ ووجهاء العشيرة للمصالحة ، فرفضَ وأبى ، أن يرجعَ معهم . ولما يَئِسَ قومُه في رجوعه ، اقترحَ أحدُ العارفين وحكمائهم ، أن يعرضوا الضعن أمامه ،عسى يؤثِّرون عليه نفسياً ، ويشتعلُ الحنينُ في صدره ومخيلته . فمرَّتِ القبيلةُ بفرسانِها ، يلعبون على ظهور الخيل . والإبلُ تتهادى بالهوادج . ويقالُ أنَّه رأى زوجتَه " ثريّا الوفيّة ، التي حافظتْ على ودِّه وعهده ، فيرى في ذلك أطيب و أزكى أريج " بالهودج ، وقد أرختْ لثامَها ، فهاجتْ نفسُهُ بالذكريات الطيبة ؛ من الطفولة والفتوِّة والبادية ، فأنشدَ قائلاً ، ورحلَ معهم : 

"ثريا تلوحْ والدنيا مِسجبِه
مطر وظعون خلّاني مسجبه
عجاج والظعن عنبر والمسجْ بِه 
أَخْيَرْ من القرايا المعطناة( الموخمة)"

غنَّى قصائدَه العديدُ من المطربين . وهناك أكثر من مسلسل تلفزيوني عن سيرته . و أحدها ؛ جسَّدَ شخصيةَ الشيخ فيها الممثلُ الفنّان المرحوم طلحت حمدي ، أرفقُ لكم بصوت سعد البياتي هذا الفيديو.

طابت أمسيتكم...مع تحياتي..
13 آذار 2017

نور الدين منى
شكرا لتعليقك