الثورة العربية الكبرى ١٩١٦ (٤)
.......................................................................................
سقوط الشريف حسين
زار الشريف حسين عمَّان سنة 1922، وأعلن نفسه خليفة (لأمر الذي كان حوله نقاش حيث رفضه مسلمين الهند ومصر وغيرهم وعاد إلى مكة ملقباً بأمير المؤمنين. ويقول الشيخ محمد رشيد رضا الحسيني الحسني في كتاب "الوهابيون والحجاز" انه كان لديه اهتمام كبير بالالقاب، ورغبة جامحة بالتسمي بالخليفة على الرغم من عدم التقيد بكثير من أحكام الشريعة.
كان أغلبية سكان الخرمة لا زالوا يؤمنون بمبادئ وافكار الدولة السعودية الأولى. وعدد كبير من سكانهم الحضر راحوا يؤيدون ابن سعود. في مطلع 1917 كان خالد بن لؤيالهاشمي قد حذر ابن سعود من أن الشريف حسين قد قرر استعادة الخرمة وطرد زعامتها. وفي العام التالي أرسل اربع حملات إلى الخرمة حملات جميعها باءت بالفشل، لكنها أججت الرأي العام بين السكان ضد الشريف حسين. لكن كان ابن سعود يطلب منهم الصبر إلى أن يأتي الوقت المناسب سياسيا، وذلك لضمان الانتصار السياسي وليس العسكري فقط، وكذلك وجود ما يشغلهم من ناحية مدينة حائل.
وكانت أغلب قوات الشريف حسين منشغلة بحصار المدينة المنورة. لكن بعد سقوط المدينة بوقت قصير، أرسل الشريف عبد الله برقية إلى ابن سعود يبلغه فيها بانتصاره، واخبره فيها بان انشغالهم مع الأتراك في المدينة منعهم من ترتيب شؤونهم ومع ذلك فان الذين حاولوا افساد القبائل وتخريبها حسب تعبيره سوف يتم محاسبتهم. وردا على تلك الرسالة أرسل ابن سعود أكد فيها للشريف عبد الله انه لا يريد سوى السلام. وأنه يريد الوصول إلى تفاهم. خاصة وانه يعرف دعم الإنجليز لهم. أما الشريف عبد الله فكان رده على دعوة ابن سعود للسلام والتحكيم في رسالة عبر فيها عن "أحر تحياته لابن سعود، ولابنائه وللاخوان" وقال "اني اخوكم الصادق، ومستعد لسعادتكم ما تأمرون.. ولا يجوز ان تفرق بينكم وبين والدي أمور البادية التي لا أهمية لها.. وكيف يمكن ان يحدث خلاف بين رجلين كبيرين بخصوص تربه والخرمةوالبادية؟ ها انا متوجه إلى مكة فارجو ان ترسلوا أحد رجالكم وان ارتأيتم ان يكون أحد ابخالكم فذلك أولى، وانا كفيل النجاح بحسين المخلاف والاتفاق مع سيدي الوالد"
و بعد أن تسلم ابن سعود الرسالة، لم يطمئن للرد، وأرسل مجموعة من الافراد للاستطلاع للتأكد من ذهابه إلى مكة وليس تربه. ويقول المؤرخ أمين الريحاني ان عبد الله اخبره انه لم يكن ينوي الذهاب إلى لبخرمة (أو تربه) لكن أمره والده بالاتجاه إلى هناك وانه كبير العائلة الهاشمية ويجب أن ينفذ أوامره.
فكتب ابن سعود إلى البريطانيين واخبرهم بان هناك مواجهة محتملة، وان الرسالة ليست للشكوى أو الخوف، فقال ممثل الحكومة البريطانية انها شائعة لا غير. ولم ترد الحكومة البريطانية بعد ذلك. فأرسل ابن سعود إلى الشريف عبد الله رسالة قال فيها :
"لقد تحقق عندي خلاف ما أخبرتني سابقا، أي أنك عائد إلى مكة المكرمة، والظاهر أنك مهاجم تربة والخرمة، وذلك مخالف لما أبديتموه للعالم الإسلامي عموما، والعربي خصوصا. واعلم رعاك الله أن أهل نجد لا يخذلون إخوانهم وأن الحياة في سبيل الدفاع عنهم ليست بشيء. نعم. وأن عواقب البغي وخيمة. خير لك إذن أن تعود إلى عشيره. وأنا أرسل لك أحد أبنائي أو إخوتي للمفاوضة فتتم الأمور ما يرغب به الفريقان إن شاء الله" (أمين الريحاني، نجد، ص 247).
وكان قد وعد البريطانيين بعدم الهجوم على حلفائهم، وحتى لا يقال إنه أخلف وعده، وحتى لا يخيف البريطانيين منه ومن أتباعه وحتى لا يستعديهم بدون مصلحة سياسية، أرسل إلى ممثل بريطانيا في جدة، أنه يحترم هذه الاتفاقية، لكنه لن يكون مسؤولا إذا ما قام الشريف حسين بالعدوان. وقال "رجال القبائل التابعين لي لن يقوموا بأي تحرش أو عدوان إلا بعد أن يكون هو قد قام بالشيء نفسه وتصبح تصرفاته مع أهل نجد مناقضة للقانون والمنطق، نظرا لأن سفك الدماء ونهب الممتلكات كان مستمرا برغم كتاباتي له بأن يسنحب إلى حدوده."
ووصل ابن سعود إلى تربه وأنشأ فيها معسكرا، وأرسل إلى مختلف القبائل والقرى المجاورة يطلب من زعمائها الحضور إلى تربه خلال ستة أيام، وإلا فان عبد الله وقواته سوف ينزلوا بهم الخراب والدمار. ثم جاءت رسالة من الشريف عبد الله يقول فيها بثقة وتحدي "أخبر الخوارج، ومن لف حولهم في القرنين بما جرى، قل لهم إننا سنكفيهم مؤنة القدوم إلى تربة. قل لهم ما جائنا تربة من أجل تربة والخرمة فقط، سنصوم في الخرمة إن شاء الله وسنعيد عيد الأضحى في الأحساء." وعقب استلام الرسالة تعالت صيحات الناس من القبائل والاخوان بصرخات الحرب. وبدلا من الخوف والانصياع اللذين كان يتوقعهما عبد الله منهم، راحوا يصيحون "هبت هبوب الجنة وين أنت يا باغيها.. إياك نعبد.. وإياك نستعين!" خاصة وإن ابن سعود كان يطلب من الناس الصبر حتى يكون النصر العسكري مقترناً بنصر سياسي، وكان لابن سعود ما أراد.
وقبل صلاة العشاء بساعة بدأوا مسيرتهم في اتجاه معسكر عبد الله. وكان عبد الله، كعادته قد نام في فراشه وسمح لمعسكره وجنوده النوم دون اتخاذ أي احتياطيات. وفي ضوء النصر السهل المرتقب الذي كان يتوقعه، زادت غطرسة الشريف عبد الله أكثر فأكثر حتى إنه أمر بقطع رأس أي من البدو يحضر إليه رسالة تقول إن ابن سعود والاخوان قد بدأوا في الهجوم، وقد وضع ابن سعود الجيش في ثلاث مجموعات، مجموعة الخيالة، ومجموعة بقيادة خالد بن لؤي ومجموعة بقيادة قائد الاخوان ابن بجاد. وانتصروا في المعركة ومنع الخيالة الجنود من الهرب. ولم يستطع الهرب سوى عبد الله وقليل من الضباط معه وهم في ملابس النوم.
وقبل الاطاحة بجيش الشريف حسين في تربة، كان قد أرسل بقائمة مطالب إلى ابن سعود عن طريق البريطانيين، وهدد بأنه سيتم الهجوم ما لم يتم تنفيذ تلك المطالب. ومنها تسريح جميع جيوش الاخوان، وخاصة الموجودة في الغطفط والارطاوية، ومنع أي اتصال بين هذين المكانين وبين قبيلة عتيبة. تأثر الملك حسين من سقوط تربة، ومنع التعامل التجاري مع النجديين ومنعهم دخول الحجاز لأداء الحج. (السباعي، ج 2، ص 242) وكان هذا يحدث كثيرا حيث أن الاشراف منعوا الكثير ممن قبل بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ورفض ما يرونه عبادة قبور، منعوا من الحج لمدة نصف قرن تقريبا، من قيام الدولة السعودية الأولى.
تمت.......ويكيبيديا
الصورة : علم الثورة العربية الكبرى في متحف صرح الشهيد
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء