إننا محكومون بالأمل ...سعد الله ونوس
..............................................................................
ثقافة وفن
إننا محكومون بالأمل وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ…سعد اللـه ونوس.. جابه الموت وتمسك بالأمل.. فوهبنا روحه لنكون أمناء عليها ومخلصين لها
السبت, 16-05-2015
وائل العدس
ليس ككل المسرحيين ولا ككل المثقفين لأنه من طينة «المحكوم عليها بالأمل»، من الطينة التي تحدت الصعاب ولم تترك الهزائم المتتالية تنال من عزيمتها.
الراحل ابتدع أجمل ملجأ لكل من حاول التغيير وشعر بالانكسار، هذا الملجأ فسيح الأرجاء، اللامحدود الأركان، هو الأمل. الأمل وحده هو الذي غذى رغبة سعد اللـه ونوس في الحياة وتحدي المرض، فكانت النتيجة حياة في حياة وإنتاجاً فكرياً غزيراً انتزعه الكاتب من مخالب الموت، وأبى إلا أن يتركه يحيا بعده، يستنير به من يحتاج إلى شعلة في ظلام النكسة والانكسارات، بعد الهزائم المتلاحقة للعرب الرسميين. كأن سعد اللـه ونوس يقول للموت: يمكنك أن تأخذ الجسد، فهو ملك لك ولكن هيهات أن تأخذ الروح الثائرة التي تسكنني.
فرحة ما تمت
في عام 1997 أبلغت لجنة جائزة نوبل للآداب إدارة اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم المسرحي الكبير سعد اللـه ونوس بنيله جائزة نوبل للآداب وذلك عن ترشيح المجمع العلمي بحلب في سورية، ثم أجمعت على صحة الترشيح الأكاديميتان الفرنسية والسورية، لكن الموت قد سرقه بعد أيام قليلة من هذا الخبر فلم ينل الجائزة وهكذا رحل عن العالم في 15 أيار 1997.
الخفقة الأخيرة
«في الكتابة نقاوم الموت وندافع عن الحياة». هذا ما كان يردده سعد اللـه ونوس حتى الخفقة الأخيرة من حياته، ولا نستغرب إن كانت فترة صراعه مع المرض أغنى فترة في عمله الإبداعي. لقد كثّف ونّوس إبداعه خلال سنوات صراعه مع المرض بعدما قال له الأطباء إن أمامه فقط بضعة شهور ليعيش.
يقول ونوس بعد إصابته بالمرض الخبيث: إننا محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ. منذ أربعة أعوام وأنا أقاوم السرطان، وكانت الكتابة، والمسرح بالذات، أهم وسائل مقاومتي.
وأضاف: خلال السنوات الأربع، كتبت بصورة محمومة أعمالاً مسرحية عديدة. ولكن ذات يوم، سئلت وبما يشبه اللوم: ولِمَ هذا الإصرار على كتابة المسرحيات، في الوقت الذي ينحسر فيه المسرح، ويكاد يختفي من حياتنا! باغتني السؤال، وباغتني أكثر شعوري الحاد بأن السؤال استفزني، بل أغضبني. طبعاً من الصعب أن أشرح للسائل عمق الصداقة المديدة التي تربطني بالمسرح، وأنا أوضح له، أن التخلي عن الكتابة للمسرح، وأنا على تخوم العمر، هو جحود وخيانة لا تحتملها روحي، وقد يعجلان برحيلي.
وكان عليّ لو أردت الإجابة أن أضيف: إني مصر على الكتابة للمسرح، لأني أريد أن أدافع عنه، وأقدم جهدي كي يستمر هذا الفن الضروري حياً. وأخشى أنني أكرر نفسي لو استدركت هنا وقلت: إن المسرح في الواقع هو أكثر من فن، أنه ظاهرة حضارية مركبة سيزداد العالم وحشة وقبحاً وفقراً، لو أضاعها أو افتقر إليها. ومهما بدا الحصار شديداً، والواقع محبطاً، فإني متيقن أن تضافر الإرادات الطيبة، وعلى مستوى العالم، سيحمي الثقافة، ويعيد للمسرح ألقه ومكانته. إننا محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ.
هكذا نتعلم من سعد اللـه ونوس كيف نجابه الموت، كيف نتمسك بالأمل، وكيف نكون صادقين مع أنفسنا ومع الوطن، هذا الوطن، هذا العشّ الدافئ الذي وُهِبنا الحياة في حضنه، ووَهَبَنا هو بدوره روحه لنكون أمناء عليها، مخلصين لها، ومدافعين عنها، من خلال إنسانيتنا ووعينا ويقظة ضميرنا.
اللقاء الأخير
وفي لقاء أخير معه قال: «إن إحساسي الجنائزي سيتضاعف أكثر وأكثر وأنا على حافة هذه التخوم الرجراجة بين الحياة والموت. أعتقد أن إسرائيل سرقت السنوات الجميلة من عمري وأفسدت على إنسان عاش خمسين عاماً مثلاً،
الكثير من الفرح وأهدرت الكثير من الإمكانات».
من مصادر
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء