إسهام الحضارة العربية في تشكيل الحضارة الاوربية
.......................................................................................
1.
انتقال الأخبار والأشعار العربية إلى جنوب فرنسا وشمال إيطاليا عن طريق الشعراء الجوالين والغنائيين (التروبادور).
2.
انتقال الأفكار عن طريق الرحّالة الأوروبيين الذين زاروا الأندلس والمنطقة الحدودية لإسبانيا المسيحية لكي يتعرفوا على الثقافة المتفوقة والعليا للعرب.
3.
تم الانتقال أيضاً عن طريق الاحتكاك التجاري الذي ما انفك قائماً بين أوروبا وعالم الإسلام على الرغم من كل الحروب والصراعات.
4.
تم الانتقال أيضاً عن طريق المحاولات المكثَّفة لتأمين التقارب السياسي والثقافي بين اسبانيا الإسلامية والبلدان الأوروبية. وقد قامت بهذه المحاولات البعثات والسفارات الدبلوماسية.
5.
عن طريق اللاجئين السياسيين المسيحيين الذين كانوا يفرون من اسبانيا أحياناً عندما تشتدّ الخصومة الدينية بين الطرفين. وكانوا ينقلون معهم ثقافة العرب المتفوقة الى بقية البلدان الأوروبية التي يلتجئون اليها كفرنسا وايطاليا وسواهما.
6.
عن طريق رهبان الأديرة الاسبانية الذين احتكّوا بالعرب وتعلموا لغتهم وأصبحوا قادرين على ترجمة المؤلفات العربية في مجال الرياضيات والفلك والتقنيات وسواها...
7.
أخيراً تم نقل العلم العربي –وبشكل أساسي- عن طريق مدارس الترجمة. وقد تم تأسيس هذه المدارس بعد استيلاء المسيحيين على طليطلة. لقد أُسست في هذه المدينة مدرسة ترجمة ضخمة من قبل الملوك المسيحيين والمطارنة.
وكان هدفهم أن يطلعوا بعمق على كل الحكمة العربية أو المعرفة الإسلامية المتراكمة في مكتبات طليطلة المليئة بالمؤلفات التي كانت تنتمي سابقاً إلى ملوك المسلمين. يقول المستشرق الهولندي المعروف دوزي في كتابه تاريخ المسلمين في إسبانيا: الشيء الذي يثير الإعجاب والدهشة عندما ندرس العهد المجيد للخليفة عبد الرحمن الثالث هو ذكاؤه الكوني واطلاعه الواسع الذي لا يفوته شيء تقريباً. وقد بلغ تسامحه إلى حد أنه راح يستشير رجالاً لا ينتمون إلى دينه، وأقام حضارة حقيقية في اسبانيا. بهذا المعنى فإنه يشبه حكَّام العصور الحديثة لا حكَّام العصور الوسطى...
بدءاً من القرن الثاني عشر راح العلماء الأوروبيون والاسبان يتجمعون في مدارس الترجمة الموجودة في طليطلة وأراغونيا. وتشكلت فرق عديدة للترجمة. وكانوا يعملون على النحو التالي: من يعرف العربية بشكل أفضل كان يقرأ بصوت عال ويترجم مباشرة ما يقرأه إلى اللغة اللاتينية.
وكان الناسخ يكتب كل ذلك عنه بشكل فوري. وكان من بين المترجمين إنجليز وإيطاليون وفرنسيون وصقليون وآخرون عديدون.
كلهم راحوا ينشرون المفاهيم الثقافية الإسلامية ويتعرفون على المنطق والفلسفة والعلوم العربية. عندئذ كان مفكرو الإسلام هم أساتذة أوروبا حقاً. نذكر من بينهم الغزالي، والفارابي، والكندي، وابن سينا، وابن رشد، الخ... ولكن لا ينبغي أن ننسى أهمية الترجمة العلمية.
فالواقع أن اهتمام علماء أوروبا تركز آنذاك على ترجمة كتب الرياضيات والعلوم العربية. فالغرب تعرَّف على الأرقام وبشكل خاص على رقم الصفر عن طريق الحضارة الإسلامية. وكان ذلك عن طريق ترجمة كتب الخوارزمي. ثم ترجموا أعمال ثابت بن قرة، وهو العالم العربي المختص بهندسة اقليديس وفيثاغورس وأرخميدس.
وكذلك ترجموا كتب علم الفلك والطب العربية. وأما في مجال علم البصريات فقد ترجموا أعمال العالم العربي الكبير الحسن بن الهيثم. وعرف الأوروبيون عندئذ مدى اتساع العلم العربي، وكيف أن الإسلام شجع على العلم والدراسات العقلية ودفع بالإنسان إلى تنمية مواهبه ومداركه. وأما فيما يخص التقنيات الزراعية فقد استفاد الأوروبيون من علوم العرب وخبرتهم في هذا المجال.
فقد تعلَّموا عنا فن القنوات المائية والنواعير وطواحين الماء وكيفية السيطرة على مياه الأنهار واستغلالها من أجل الزراعة. وهكذا تم تحديث الزراعة المتوسطية وكثرت حقول القمح والزيتون والكرمة. ونقلت زراعات جديدة من البلدان العربية إلى أوروبا كالنخيل، والبرتقال، والمشمش، الخ... وتحولت إسبانيا إلى عروس أوروبا وازدهرت كل الازدهار بسبب الاستفادة من مناهج العرب وعلومهم وتقنياتهم. ثم انتقلت هذه المناهج والتقنيات العقلانية من خلال اسبانيا إلى مختلف بلدان أوروبا.
والواقع أن الإسلام كدين عقلاني يدعو الإنسان إلى تنمية مداركه ومواهبه هو الذي دفع إلى كل هذا الازدهار الحضاري. فالفلسفة العربية-الإسلامية التي توفِّق بين العلم والإيمان أو بين العقل والنقل أو بين الدنيا والآخرة استطاعت أن تحتضن واحدة من أجمل الحضارات التي عرفها التاريخ البشري. فالإنسان في الحضارة الإسلامية ليس مادة فقط ولا روحاً فقط، وإنما هو مادة وروح في آن معاً. من هنا الطابع الوسطي أو الاعتدالي للحضارة الإسلامية التي تكره الشطط والتطرف في أي اتجاه كان.
وهذا يعني أن حركات الغلو والعنف السائدة حالياً هي خارجة على الإسلام. هكذا انتقل فكر ابن رشد، والفارابي، وابن سينا، والغزالي وغيرهم إلى اللغة اللاتينية التي كانت لغة العلم والجامعات في كل أنحاء أوروبا آنذاك.
ومن المعلوم أن فلسفتنا هي فلسفة وسطية توفق بين العقل والإيمان ولا ترفض أحدهما بحجة التمسك بالآخر. وقد استفاد فيلسوف المسيحية الأوروبية آنذاك توما الأكويني من فلسفتنا واستخدمها لكي يبلور عقيدة جديدة للمسيحيين توفق بين العلم والإيمان أيضاً.
وسيطرت هذه العقيدة التومائية على الجامعات الأوروبية طيلة العصور الوسطى. بل ولا تزال تشكل أحد تيارات الفكر الأوروبي حتى هذه اللحظة.هكذا كان المسلمون انذاك أناسا ينقلون الحضارة والمنفعة الى الآخرين لا العنف والتفجيرات والتعصب الأعمى والدمار.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم
اذا جمعتنا ياجرير المجامع
كاتب سوري ــ
المصدر : هاشم صالح. اعلان: البيان .
الجزء الثالث والآخير.. .
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء