pregnancy

سوريون على مذبح الحقيقة6







سوريون_على_مذبح_الحقيقة6

هوميروس أم طافن السوري!!!
..................................................................................
كتاب مهم ترجمه وأعده الدكتور إحسان هندي، بعنوان: (شعراء سورية في العصر الهيلينستي)، يكفي لإثارة المواضيع النائمة أو المتوقفة على دقة القراءات والمكتشفات التاريخية، وما يصلنا من نصوص شعرية كتبها سوريون مجهولون بالنسبة إلينا بعامل صعوبة الترجمة من اللغات القديمة أحياناً، ومرات أخرى لأن المؤرخين الأجانب أعادوا تصدير تراث أولئك السوريين لنا عبر اللغتين الفرنسية والانكليزية، مع أن الكثير منهم كتب باللغة السورية الأم وهي الآرامية. 

القصة لا ترتبط فقط بأسماء شعراء أو نصوص سورية مجهولة من العصر الهيلينستي، إنما تفتح الباب أيضاً على النصوص الشعرية الأوغاريتية التي تثبت أن السوريين كتبوا الشعر الملحمي قبل الإغريق، وقبل ما يعرف بإلياذة هوميروس كما تشير المكتشفات، فمن غير المستغرب أن يكون من اخترع الأبجدية ثم نقلها إلى الإغريق وبقية أنحاء العالم كما تشير أسطورة (قدموس) الشهيرة، هو أيضاً من كتب النصوص الملحمية الأولى التي تنسب حسب المؤرخين الأجانب إلى اليونان! ألا يفتح هذا الأمر الحديث حول منابع الذائقة والثقافة السورية وأسباب تأثرها حتى زمن طويل بوادي (عبقر) في صحراء الجزيرة العربية؟. ألا تؤثر تلك النصوص أو الينابيع الأولى في أسلوب الكتابة اليوم خصوصاً أن هذه النصوص من الناحية النقدية لم تأخذ حقها كما يجب حتى الآن؟... أسئلة تاريخية وشعرية وأخرى تتعلق بتدوين الأدب العالمي يثيرها مصطلح المدرسة السورية في الشعر، ذلك المصطلح الذي استخدمه المؤلفون الأجانب قبل أن نكتشفه نحن متأخرين؟. 

المدرسة السورية في الشعر !! 
يعود العنوان إلى أكثر من ألفي عام خلت، إلى فترة ما يعرف بالحضارة الهيلينيستية التي تمتد ثلاثة قرون من عام 332 ق.م وحتى عام 30 ق. م، فوجود هذا المصطلح في كتابات المؤلفين الإغريق والمترجمين عنهم في اللغات الأخرى كالانكليزية والفرنسية لاحقاً، يؤكد الغبن الذي تعرضت له الثقافة السورية و ريادتها على كل ما أشيع تاريخياً عن أسبقية الإغريق وسبقهم في جميع أنواع الفنون، هذا عدا عن اكتشاف أنواع مختلفة ومتطورة جداً من الشعر الذي كتبه السوريون منذ ما قبل الميلاد، لنصبح جميعاً أمام تساؤل خطير يتعلق بأحقية ثقافتنا هذه بالاحتفال والحفاوة مثلما يحدث لكتابة شعر الهايكو عند اليابانيين أو سواهم! 

في كتابه (الصراع الفكري في الأدب السوري) يوجه أنطون سعاده نقداً لاذعاً أيضاً للشاعر شفيق معلوف إثر إصداره كتابه الشعري (عبقر) والعنوان عائد هنا إلى وادي عبقر الشهير في الصحراء العربية الذي يقال إنه مسكون بالجن وله دور في إلهام الشعراء ، يستغرب سعادة أن تغيب عن ذهن معلوف الملاحم السورية لمصلحة (وادي عبقر) رغم قحط المخيلة مقارنة بتلك الملاحم!. فالواضح من نصوص ما قبل الميلاد ومنها نصوص المرحلة الهيلينستية، أن الشعراء السوريين لم يتمكنوا من إيجاد ما عرف بالمدرسة السورية في الشعر فحسب وذلك بإقرار الأجانب أنفسهم، بل إن ما لم يصلنا حتى الآن من تلك الآثار ربما يكون أكبر من ذلك، خاصة ما تمخضت عنه مكتشفات أوغاريت أو رأس شمرا الشعرية التي تكفي لإعادة قراءة تاريخ الأدب العالمي على نحو مختلف تماماً وجديد!. 

طافن السوري أم هوميروس اليوناني؟ 

في معرض رده على سعيد عقل وشفيق معلوف، يعود أنطون سعادة إلى مكتشفات رأس شمرا التي أثبتت أن السوريين كتبوا شعر الملاحم قبل اليونان، والكل يعرف أن (إلياذة هوميروس) كتبت في القرن الثامن قبل الميلاد، تلك الحقيقة تؤكد أن الشعر الكلاسيكي ابتدأ من سورية ثم نقل الإغريق ذلك عنهم وتعاونوا لاحقاً مع الرومان من أجل غبن الأدباء السوريين حقهم في تلك الريادة، مثلما فعل المؤرخون الأجانب عندما دونوا الأحداث الكبيرة في تاريخ سورية القديم ومثال ذلك المؤرخ فوليبيو الذي وصف حملات هانيبعل العسكرية واجتيازه جبال الألب ومحاصرة روما لاحقاً، بالحملة البربرية مع أن هذا القائد العسكري السوري كان مرجعاً في التخطيط الحربي وكان آخر من استفاد من خططه العسكرية نابليون بونابرت و ضباط اميريكانية في حرب الخليج! 

يستشهد سعادة بكلام العالم كلود شيفر الذي ترأس التنقيبات في رأس شمرا، فما نشرته مجلة (ناشونال جيوغرافيك مجازين) في عددها الصادر في تموز عام 1933 إثر الاكتشافات التي قام بها شيفر، يؤكد موضوع إعادة النظر بالقراءات النقدية والأدبية التي مثلت في كثير من الأحيان اعتداءً على نصوص السوريين الأولى: (قبل إلياذة هوميروس الخالدة بزمان طويل أنشأ المؤلفون السوريون الفينيقيون الكنعانيون في أوغاريت الملاحم في مغامرات غريبة لبطل أسطوري يدعى طافن أو طافون...). هذا الاكتشاف الذي يدحض ريادة الإغريق وأسبقيتهم في كتابة الشعر الملحمي!! 

هوميروس كان متأثراً بالملاحم الأوغاريتية الكنعانية 
في ألواح رأس شمرا التي اكتشفها شيفر تبرز نصوص أدبية نادرة مثل النص الموجود على أحد الألواح الذي يصور القتال بين (معط وعلين) معط الذي يرمز إلى الطبيعة المثمرة وعلين إله الغيث والريح، تلك القصة التي تفسر جفاف الأرض بمقتل علين على يد معط وانتقام أخته عناة التي تنتقم لأخيها بقتل معط ونثر أجزائه في الحقول حتى يتحول إلى الحصاد الذي يعطي الخبز للبشر.. عدا عن قصة بعل والأفعى ذات الرؤوس السبع واسمها (لتن) في نصوص رأس شمرا، تلك القصة التي تسرقها التوراة من التراث السوري مثلما فعلت بملحمة جلجامش البابلية وقصة الطوفان المكتشفة في مكتبة الملك الآشوري آشور بانيبال حيث نقلها اليهود كاملة إلى التوراة مع تعديل بسيط! 

هنا يبدو التداخل بين التاريخي والأدبي كبيراً جداً، فالنصوص السورية لم تنج من الاستيلاء الإغريقي عليها ومثالها قصة انتقام عناة لأخيها المقتول حيث نقلها اليونانيون إلى تراثهم بحذافيرها تقريباً!!! 

قضية اكتشاف نصوص شعرية أو أدبية سورية تعود إلى ما قبل الميلاد، إلى أي حد يمكن أن يؤثر على الذائقة الآن؟ هذه الذائقة المشغولة والمتأثرة بمدارس عالمية اختُرعت بعد تلك النصوص بكثير؟
أليست مصيبة أن تغيب نصوص سورية سبقت الإلياذة، حتى عن دوائر التوثيق العالمية التي أحالت كل شيء إلى العقل اليوناني (الخلّاق) 
ثم إلى أي حد أثر ذلك في طغيان اللون الصحراوي على اللون السوري في كتابة الشعر حتى جاءت الحداثة الأولى، أم يؤدي ذلك إلى شيء من التهجين في هوية الأدب وجعله يغرد خارج سرب الخصوصية التي بنيت تاريخياً عبر آلاف السنين؟ 

*الصراع الفكري في الأدب السوري
..                                                يتبع الجزء الأول من المقال ....
 
شكرا لتعليقك