pregnancy

الإنتاج الإبداعي








الإنتاج الإبداعي 

الفنانون التشكيليون و الشُّعراء و الروائيون والمطربون و الموسيقيون والنحاتون ، هم أيضا أصحاب مهنٍ ومصالح ،  مثلهم في ذلك مثل النجارين و الحدادين و المزارعين و الأطباء والمهندسين  و المحامين ،  لا يختلف أولئك عن هؤلاء بشيء . 
أولئك المثقفون  - مثلهم مثل هؤلاء  -  يذهبون إلى أعمالهم ، أو مكاتبهم ، أو مراسمهم ، أو وظائفهم ، أو مقاهيهم صباحاً ، ويعودون إلى بيوتهم مساء ، ويأكلون مما تطبخه لهم زوجاتهم .
لا فضل لمثقفٍ في مهنته التي يزاولها على حرفيٍّ  ماهرٍ أو مهنيٍّ متقنٍ لعمله ،  لا من حيث الدور الاجتماعي الاقتصادي الذي يؤديه لنفسه أو لعائلته ، ولا من حيث الدور الثقافي والإبداعي الذي يمنحه لمجتمعه .
البناية الجميلة التي " يرسمها "  مهندس إنشائي ناجح قد تفوق بأهميتها عشر لوحات " ما بعد حداثية " 
الأبواب الخشبية التي " يؤلفها " نجار ماهر ، أهم وأعظم من عشر قصص " قصيرة جداً " .
أشجار الزيتون التي " يكتبها"  فلاح مجتهد ،  أكثر أهمية و ديمومة وفائدة من عشر سيناريوهات فاشلة . 
العمليات الجراحية التي يجريها ، و الوصفات الطيبة التي " يموسقها " طبيب ماهر لمرضاه ،  وهم على حافة الموت ، أكثر جدوى من عشر اغنيات " شبابية  رائجة " .
البنطال الذي " ينحته " خياط ماهر  ، أكثر جدوى بكثير من عشر اصنام مشوّهة ، نُصبت كي تحطمها فؤوس الغضب لاحقاً. 
الميزانيات والمخططات التي " يؤلفها " مدير نزيه و ناجح في عمله ،  أهم بكثير  من عشر روايات " نص كم  " . 
المرافعات المتقنة التي " ينظمها " محامٍ لامع دفاعاً عن موكِّليه المظلومين ، أهم من مئات قصائد الشعر الفيسبوكي . 
المشكلة ان هؤلاء النجارين والمهندسين والأطباء والمزارعين العظماء  ، يعتقدون أن مجدهم لا يكتمل إلا إذا تحولوا هم أيضا إلى شعراء وروائيين و نحاتين وفنانين تشكيليين .
دون أن يدركوا أن الاعلاء من شأن "  الإنتاج الابداعي " ووضعه في مستوى أعلى شأناً  من الإنتاج المادي ( العضلي والذهني )   هو نتاج المجتمع العبودي و هو استمرارٌ لقيمه وأخلاقياته .
لذلك فإنك لن تجد في المجتمعات التي تخلَّصت من " ثقافة العبيد "  سوى حفنة من الشعراء والكتاب والرسامين ، مقابل ملايين المهندسين والمحامين والأطباء والصنَّاع المهرة .
ولن تجد هناك - بالطبع -  من يرغب بإنفاق وقته الثمين أو مدَّخراته ،  على تأليف أو طباعة كتاب  ( قصة أو  ديوان شعر أو رواية )  ،  لا يضيف لمن يقرأه شيئاً ،  ولن يهتم له - بطبيعة الحال -  أحد ، هذا إن لم يحوِّل صاحبه إلى مسخرة.


بقلم الصديق عبد الكريم حوريه
شكرا لتعليقك