المكالمة الأخيرة
.....................................................................................
في هذه اللحظة وضعونا بسياراتهم،ولا أحد يعرف إلى أين سيأخذوننا ...
قالوا إن للشيطان جنودا كنت أشك ورأيتهم في وطني،
والآن هم بين بيوتنا يعيثون فيها فسادا وخرابا، دخلوا قريتنا من كل حدب وصوب،في ليلة لا تشبه الليالي ليلة حالكة السواد مثل قلوبهم ولباسهم وراياتهم...دخلوا علينا كأنهم الكلاب المسعورة...
ذبحوا أهلنا كما تذبح الخراف في المسالخ، وحرقوا بيوتنا...
لم تخشع قلوبهم لصراخ أطفالنا وأمهاتنا وجداتنا، نعم لم يرتجفوا من بكائنا، ولم ترف أعينهم ، ولم ترعبهم أنهار الدماء،
نعم هم أشبه بالذئاب، إنهم لايملكون أي صفة من صفات الإنسان، لقد قتلوا أبي وفصلوا رأسه عن جسده تحت شجرة الزيتون،بلا شفقة ولارحمة...
أه ياأبي كم تعبت لترى حديقتنا مليئة بالأشجار المثمرة، والآن سقيتها بدمائك الطاهرة، والتي لن تحتاج بعد اليوم للمياه لتعيش ستبقى معمرة لتشهد بالحق وبما عملت أيديهم المجرمة ...
كم نحسد أهلنا الذين قتلوا لأنهم لم يروا مارأيناه ... وياليتهم قتلونا معهم...
وبعد الذي رأيناه تأكدنا إنهم شياطين، ذئاب ووحوش كانوا ينقضون على الرضع والأطفال ليذبحوهم، وهل يحتاج الأطفال لكل هذه البطولات ليموتوا ....
إننا الآن نبتعد عن بلدتنا المبعوجة، أتوسل إليكم لاتتركونا اسألوا عنا
وحررونا...لبنى ...سحر ...رشا ومعنا الكثير من أبناء بلدتنا
نناشد كل المنظمات الإنسانية في الكشف عن مصيرنا، نحن ومن معنا، نحن الناس البسطاء،الذين لم نعرف منظمات ولاأحزاب، ولم نعرف إلا كتبنا ومدارسنا وأرضنا نعمل بالحقول مع أهلنا بجد وإخلاص، ونفخر بزيتوننا ورماننا وأنواع الخضار التي تنتجها أرضنا
****************
أنا التي كتبت وأستحي مما كتبت، تمنيت أن أكتب عن الرحمة والإنسانية، ولا أكتب عن إجرام البشرية ،لن أنسى أصوات سيارات الإسعاف، وهي تنقل أهلنا المظلومين
وتنقل للعالم بشاعة الجرائم الدنية والقذارة والحقد البشري ، أي تراب سيتحمل هذا القدر من القذارة، سيلفظكم الكون كل الكون، لن تستطيع أرض ولاسماء أن تحتويكم، وحتى النار لن تقبلكم وقودا لها ...
أي أم ربتكم ومن أي ماء شربتم؟
لن أنسى مدينتا الجميلة،وهي تعج بالناس الطيبين، كانوا يبكون ويصرخون لمصابهم الأليم، وفتحوا بيوتهم وصدورهم بكل محبة وحنان لأهلهم ،
لن أنسى تلك المرأة التي صرخت في وجهي، وقالت أه أه.. ذبحونا ونحن نيام ذبحوا أولاد أخي الصغار...
لم تشعر هي بألمي، كنت أرتجف، ولم أشعر بثقل قدماي على الأرض، وكم كنت وقتها بحاجة لنقطة ماء لأتغلب على الغصة التي خنقتني....
عذرتها...ولمت نفسي وكان علي في وقتها ألا أقدم لها أي عزاء ،لم يكن ذلك مناسبا...
كان علي أن أطرق في الأرض، ولا أرفع رأسي مطلقا، حتى لا أرى عيونها التي تشكي والتي تبكي والتي تبحث عن مغيث...وللأسف لامغيث
بقلم
دلال درويش
لوحة جان ليون (مذبحة اﻷبرياء) انظروا كيف رسم تعابير الخوف في عينيها ورجفة يديها لاسكات رضيعها خوفا من معرفة مكانيهما
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء