"مستقبلنا في ظل الثقافة الحاضرة "
عندما تقع الكوارث الإنسانية الكبرى يزداد تطلع الإنسان للمستقبل ،
وينمو سؤال المصير ،ويتضخم بضغط من آلام الحاضر وصراع التكتلات البشرية .
إن الإنسان كائن مستقبلي يتطلع دائما للمستقبل بالتوقع تارة وبالتمني أو التخطيط تارة أخرى .
ولاشك أن سؤال المستقبل ينهش رؤوسنا جميعا في العالم المسمى بالثالث ،
فهل سيأتي اليوم الذي نتحرر فيه من الثالثية لنزاحم على الرتبة الأولى والثانية ؟
وهل سيأتي يوم نحظى بمكانة مقبولة على هرم التقدم الأممي ؟
هل سنحظى بحياة كريمة أو كرامة لإنساننا ؟
هل سيأتي يوم نفكر فيه بغزو الفضاء ،وتسخير الطبيعة ،وامتلاك المعرفة ،بعد أن نكون تجاوزنا جوعنا وجهلنا وإهانتنا ؟
أسئلة كبيرة لكنها حاضرة في الوجدان ،وتبحث عن أجوبة .
نعم قد نستورد مناهج تعليم حديثة ،وسيارات فارهة ،وأسلحة جيدة ،ونبني بنايات شاهقة ،ونصنع شكلا حضاريا مقبولا ،لكن هل هي بالفعل حضارتنا أم حضارة غيرنا ؟
هل مضموننا ومحتوانا الإنساني والثقافي شكّل صورتنا أم صورتنا مستوردة ؟
إن بناء الحضارةيتوقف على تجذير الثقافة ،فماالحضارة إلا شجرة نمت فوق تربة الثقافة فأزهرت وأورقت وطاب طلعها .
إن الثقافة عمود الحضارة وقاعدتها ،ومقياس رسوخها وصلابتها ؟
وإن كنا جادين في سعينا لاحتلال موقعنا اللائق بين المجتمعات البشرية نحتاج أن نتفحص تربتنا الثقافية وندرس خصوبتها لنرى إن كانت قابلة لأن تهتز وتربو وتنبت من كل زوج بهيج .
ولنستشرف إن كانت ثقافتنا قادرة على حمل تطلعاتنا وآمنياتنا نحو المستقبل ، نحتاج لعرضها على المؤشرات الأساسية للبنى الثقافية .
وهنا ركائز ثمانية تقف عليها الثقافات الخصبة، يقاس بهامدى فاعليتها وقدرتها على تحقيق الطموح الإنساني .
أولها - النظرة للإنسان :كيف نرى الإنسان كل الإنسان ؟هل نقدر كرامته الوجودية ؟وهل نعترف به كيانا عزيزا مكرما؟
في بيوتنا مع الزوجة والأطفال ،في العمل لمرؤوسينا وللمراجعين ،لطلابنا إن كنا مدرسين ،للمواطن إن كنا مسؤولين ،وفي كل مكان ،هل نحترم الكرامة الوجودية للإنسان ؟
هل نعامل الإنسان بماتستحقه كرامته كإنسان ؟
وثانيها : العلم ،فهل ننظر للعلم كقيمة مستقلة ترفع من شأن الإنسان ؟أم أنه وسيلة للوظيفة والمال والجاه وأشياء أخرى ؟
لابد أن نراجع نظرتنا للعلم وكيفية تعاملنا معه.
وثالثها: نظرتنا للآخر ،هل نصنع من الناس أعداء لنا ،أم نمد جسور التواصل مع الناس كافة ؟
وهل لو بنينا جسور الود والتواصل مع الآخر سيكون حالنا أفضل على المستوى العالمي ؟
وكذلك نظرتنا للعمل وأهميته والوقت وقيمته والطبيعةبماهي كنز للأسرار والثروة والدين بماهو اتصال مع الكمال المطلق ،هل نظرتنا لهذه الأمور تدفعنا للأمام أم تجرنا في منزلق الهاوية والسقوط ؟
بهذه المعايير الثمانية نستطيع تقييم ثقافتنا ،لنعرف من أين تكون البداية في حركتنا ونهضتنا التي صار من اللازم أن تقلع في فضاء العالمية وأن تؤتي أكلها وثمارها .
إن الأمم التي تقدمت قامت بمراجعة شاملة لتصوراتها عن الحياة والعالم والإنسان ،وكذلك راجعت آليات التفكير ومناهج المعرفة ،التي لايمكن للإنسان بدونها أن يأتي بخطوة واحدة صحيحة على المستوى الفردي والاجتماعي .
لن نحظى باحترام العالم ،ونخرج من عنق زجاجتنا الا بتحطيم القيود الفكرية والأطر التي أطرنا بها عقولنا .
بالتفكير في نظام الحياة ونظام الحضارة من ألفه إلى يائه ،وتجديد الرؤية على أسس المعرفة الحقيقية ،المعرفة التي تأخذ الواقع بعين الاعتبار ،يمكن أن نحظى بفرصة للمنافسة على رتب الرقي والقوة العالمية وأن نعيد لإنساننا شيئا من كرامته .
حسام خلف
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء