التبشير_والاستعمار_في_البلاد_العربية
.......................................................................................
إن المعركة في هذا الكتاب لم تكن منذ صدر هذا الكتاب في طبعته الأولى 1953م، معركة خارجية فقط؛ لقد كانت في بعض جوانبها معركة داخلية أيضاً، وما تزال رواسب الاستعمار، وأشكال الاستعمار الجديدة بعد انقراض الاستعمار الرسمي في البلاد العربية، تبدل وسائل التبشير توصلاً إلى تثبيت نتائج الاستعمار القديم فوجب تنبيه الغافلين من شبان العرب إلى المزالق التي تلقى في طريقهم.
إن التبشير وسيلة للاستعمار، والمبشرين ليسوا _سواء أعلموا أم لم يعلموا، قصدوا أم لم يقصدوا_ سوى طلائع لمطامع وخبائث الاستعمار.
وزعت وكالة تاس السوفياتية في بيروت مقالاً نشرته جريدة "برافدا" في موسكو لمراسلها في الصين، وقد جاء في هذا المقال: "لقد أدخل الاستعماريون الأميركيون إلى الصين مبشرين من مختلف المذاهب استخدموهم منذ أمد بعيد في أعمال الجاسوسية"
ومن الأمثلة على فساد وإرهاب استعمار الدول الأوروبية وأدواته التبشيرية حيث تُوقِّع البعثات التبشيرية في السنغال مع عدد من الأسر السنغالية الفقيرة عقوداً تقدم بموجبها تلك البعثات التبشيرية إلى الأسر السنغالية مساعدات عينية (ًضئيلة) من أرز مثلاً في كل شهر على أن يكون لها حق باختيار طفل من أطفال الأسرة تربيه على حسابها وتبرمجه مسيحياً كما تريد.
ويكون في العقد أن الأسرة مجبرة على ردّ ثمن المساعدات وعلى دفع نفقات ابنها ونفقات تعليمه إذا هي خالفت شروط العقد (بطلب استرداد ابنها مثلاُ).
وتختار البعثة التبشيرية من أطفال تلك الأسرة صبياً دون الخامسة من العمر ثم ترسله إلى مدرسة (تبشيرية طبعاً)، وينقطع الصبيّ عن أهله ويُنشَّأ تنشئة مسيحية ثم يرسل إلى فرنسا لإتمام علمه العالي، بعدئذ يُعاد إلى السنغال ليستخدم كأداة من الطابور الخامس التي تنفذ مصالح الاستعمار الفرنسي.
وحينما يعود الصبيّ السنغالي الذي أصبح رجلاً مسيحياً فرنسياً إلى السنغال يمنح حق المواطن الفرنسي في المستعمرات من حيث المستوى الاجتماعي والوظائف.
يقول الدكتور عيسى عبدو إبراهيم، إن اثنين من الجنرالات الفرنسيين كتبا مقالاً عام 1946م قالا فيه:
(لا ينبغي أن نستهين بالإسلام إذا استهنا بالمسلمين، لآن الإسلام عقيدة عجيبة، بقيت إلى الآن في الأرض.. إننا حاولنا كل النظم الاقتصادية، حاولنا النظم الرأسمالية، وحاولنا النظم الإدارية، وفشلنا، ومن أهم ما فشلنا فيه عدالة التوزيع والرقابة.
..إن الرقابة لا تأتي في الإسلام من شخص على شخص، ولا من هيأة على هيأة، وإنما هي رقابة الإنسان لربه ونضج الضمير الديني، وهذا وحده قوة كافية في الإسلام .. وإن من حسن الظن أن المسلمين لا يفهون هذا ولا يقدرون دينهم مع أنه حفظهم وأبقاهم حتى الآن، وما علينا الآن إلّا أن نطمس معالم هذا الدين بتجويعهم وإبادتهم وبحرمانهم من العلم والثروة..).
ولقد تعاون أعداء الأرض والحياة من الاستعمار والاستبداد والإرهاب بكافة أجناسهم وأنجاسهم في تدمير وتخريب ونهب المنظومات الحية والحضارية والإنسانية لاسيما في بعض البلدان النامية كـالبلاد العربية والإسلامية وبلاد أميركا الجنوبية وبعض الدول الآسيوية.. مما أدى إلى نشر وتكريس الفوضى الكارثية الخبيثة الحربية المدمرة للبنيان والعمران والهويات الاجتماعية والثقافية والمفرقة للبلاد والقاتلة للعباد والمشردة للناس .. حتى وصل الأمر من الهمجية والوحشية لدرجة أن الأطفال تموت جوعاً وبرداً وغرقاً وقتلاً .. والأحقر من ذلك أن بعض الدول المتقدمة تكنولوجياً كاليابان وأميركا تأكل لحومهم، وهذا لم يحصل في الغابات المتوحشة ؟ يا أيها الناس هل لاحظتم أن حيواناً يموت من البرد أو من الجوع؟
ولكن سيعلم الظالمون والمستعمرون والمجرمون والمرتزقة أي منقلب سينقلبون لأن بطش ربك لشديد فهو لهم بالمرصاد ومن ورائهم محيط والله تعالى موهن كيد الفاسدين على مرّ العصور والأزمان فأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض خالداً بينما ما يفسد ويقتل الناس سيذهب إلى مزابل التاريخ.
«يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» التوبة - الآية 32
«وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ» الأنفال - الآية 60
د.ناصر الدين الملوحي
للتوسع
1- التبشير والاستعمار في البلاد العربي، تأليف: مصطفى خالدي، عمر فروخ، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت، ط3 ، 1423هـ-2003م.
2- حضارة الإسلام، مجلة فكرية جامعة، ع4، س7، دمشق، رمضان 1383هـ-1964م، ضرورة الدين لإيجاد ذاتية الأخلاق، أ.محمد سعيد رمضان البوطي، ص33-39.
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء