pregnancy

يوم الأرض الخالد و"مصادرة الذاكرة الفلسطينية"




يوم الأرض الخالد و"مصادرة الذاكرة الفلسطينية"

.......................................................................................
     
ها هو يوم الأرض الخالد، يوم أرض آخر يعود ليذكرنا بما حل بشعبنا في هذا اليوم الذي كان مفصليا وفارقا في تاريخ شعبنا الفلسطيني، في هذا اليوم هب شعبنا وشبابنا وقياداتنا للتصدي بأرواحهم من أجل الدفاع عن مصادرة آلاف الدونمات التي تعود ملكيتها للفلسطينيين الذين هجروا من البلاد عام 1948، 

ولم تُسَجَل أراضيهم باسم أحد، في العديد من بلداتنا العربية في الجليل والمثلث، وأهمها كانت المواجهات مع المؤسسة الإسرائيلية في قرى مثلث يوم الأرض سخنين وعرابة ودير حنا، حيث راح ضحيتها الشهداء الأبرار الذين خلّدهم التاريخ في ذاكرته وذاكرة العالم، شهادة عز وكرامة، حيث قتلوا وهم واقفون ليدافعوا عن أرضهم وعرضهم.

شهداؤنا هم: رأفت أبو زهيري، خضر عبد محمود خلايلة، رجا حسين أبو ريا، محسن حسن سيد طه، خديجة شواهنة، خير أحمد ياسين.

هذا كان في الثلاثين من آذار عام 1976، ومنذ ذلك اليوم أصبح "يوم الأرض" يعد يوما وطنيا في تاريخ الشعب الفلسطيني، ورمزًا مهمًّا يخرج فيه الفلسطينيون ليعبروا عن تمسكهم بالأرض والهوية والمكان.

من سنة 1976 ولغاية اليوم، مرّت على شعبنا الفلسطيني 43 عاما، صحيح أننا نبتعد عن هذا اليوم سنة بعد أخرى، ولكن الجرح ما زال ينزف في عروقنا كشعب يرزح تحت الاحتلال وبطشه ومصادرته للأراضي الفلسطينية يوميا، ويتّبع شتى الأساليب لكي يحاصر السكن والوجود الفلسطيني في مناطق يرسمها له، حيث لم تتسع هذه المساحات رغم التكاثر السكاني منذ عام 1948، فيضطر الناس للبناء في أرضهم في بقع "غير مرخصة"، وتصبح كلها مهددة بالهدم في أي لحظة ودقيقة ويبيت الناس مهددين ومسكونين بالخوف والذعر والقلق من خطر الهدم، أي بمعنى آخر، وكأنهم يقولون للفلسطيني: "الأرض صحيح لكم ملكية عليها قانونيًا إلا أن البناء فيها، نحن من يُصَرِّح بذلك لا أنتم"، ويا لبشاعة وظلم من يقع تحت هذه التجربة "هدم البيوت غير المرخصة"، جريمة أخرى ترتبط بالأرض والهوية والبيت والوطن كل يوم من جديد مسلسل لا ينتهي.

وهنا يجب أن نتطرق إلى نوع مصادرة آخر يمتد من قيام الدولة، مرورًا بكل حقباته التاريخية ولغاية اليوم وهو "مصادرة الذاكرة الفلسطينية"، التي تعمل عليها المؤسسة الإسرائيلية من أجل تحويلنا إلى شعب بدون جذور وهوية وتاريخ ولغة وكرامة، أجيال تمر ومرت منذ تاريخ النكبة 48 ولغاية اليوم، منهم من عايش النكبة ومنهم من عايش تاريخ يوم الأرض ومنهم من عايش هبة أكتوبر وغيرها من المحطات المشرفة لنضال شعبنا، 

ولكن ما نلحظه ونراه اليوم هو ابتعاد الأجيال الجديدة عن اهتمامها ومعرفتها بتاريخ الأجداد، وهذا الخطر الأكبر الذي نقف إزاءه اليوم كشعب، الأجيال التي تعيش في ظل مدارس وإعلام وبيئة تعمل لمصلحة المؤسسة الإسرائيلية وتسعى إلى محو ذاكرتها، أي "أسرلتها" وجعلها إسرائيلية فقط، وفيما بعد يتحولون إلى القطيع الذي يخضع لراعيه لا سلطة له ولا إرادة ولا ذاكرة.

أين نحن اليوم جميعا من دورنا الأخلاقي والوطني تجاه هذا الجيل، أقصد نحن جميعا، مؤسسات وهيئات وأعضاء برلمان وجمعيات أهلية ومدارس ومعلمين ومربين ورؤساء سلطات محلية ولجان أولياء وكل من يستطيع التأثير؟ أين الأجندات من أجل الحفاظ على أجيال المستقبل؟ نعم، هنالك قصور كبير من قبل الجميع في مواجهة الأجيال لشراسة الأسرلة وطمس المعالم الفلسطينية وأهمها الإنسان.

صحيح أن معظم الأحزاب العربية عملت من أجل التصدي لسياسة الدولة من باب ردة فعل لما يكون على الأرض، ولكنها لم تأخذ في الحسبان برامج للأجيال القادمة من أجل حمايتها ورعايتها وبناء برامج عينية وواضحة وبناء مؤسسات من جيل الطفولة وحتى إنهاء المدرسة، فالطالب يُترك في مدرسته مدة 12 عاما يكتسب العلم بطريقة "روبوتية"، أسلوب التلقين العلمي وليس التعلم، في أجواء من التجهيل للهوية والانتماء واللغة، إلى أن يخرج لمواجهة الحياة والعالم الحقيقي لاكتشاف هويته بنفسه.

لذلك البيوت (الأهل) أصبحت هي المسؤول الأول عن توعية وتربية الأولاد لنقل التاريخ والأحداث ورواية القصة، قصة الأجداد والشعب الفلسطيني والترحيل والتهجير والتشريد والمصادرة والهدم والوطن كله، إنه واجب أخلاقي ووطني من الدرجة الأولى لأن الأجيال القادمة أمانة في أعناقكم وهم من سيحمل المفتاح..


سوسن غطاس

بتصرف..
شكرا لتعليقك