pregnancy

الشاعر نصر علي سعيد لروحه الرحمة والسلام في ذكرى رحيله




الشاعر نصر علي سعيد  لروحه الرحمة والسلام  في ذكرى رحيله 
.......................................................................................

ولد الشاعر نصر علي سعيد في مدينة سلمية عام 1953 م، تربى فيها ودرس في مدارسها، وحصل على الشهادة الثانوية منها، ودخل الجامعة، وتخرج منها حاملاً شهادة إجازة عامة في اللغة العربية، عين معلماً لتدريس اللغة العربية، وعرف بشدة حرصه واهتمامه البالغ بتعليم طلاب ثانويات سلمية، ثم أنضم إلى جمعية الشعر.

بدأ الشاعر (نصر علي سعيد) البوح باكراً، وفتنته منذ سنوات صباه الأولى قوافي وأوزان الفراهيدي، فانسابت تجاربه الأولى سريعاً، وكان قريباً من القلب شغوفاً بجمال العذارى وبياض الياسمين وهديل الحمام، أعانته دراسة اللغة العربية على الولوج بقوة إلى عالم الشعر، ولم تثنه هموم الحياة ومتاعبها عن التركيز على شعر الغزل، فمال نحوه منذ تجاربه الأولى، ولازمه طويلاً طويلاً.. وكانت هموم الوطن تظهر أيضاً بجلاء في أشعاره، حيث جلجلت قوافيه على المنابر في مختلف المناسبات، تساعده في ذلك ذاكرة نشطة يتغلب فيها على إعاقة البصر عنده.

في مجموعته الأولى (بوح القوافي) كان غزلي الاتجاه، وفياً للغة مطواعة بين يديه، قال عنه الشاعر المرحوم أنور الجندي في مقدمته للمجموعة " هذا شاعر طيب القلب رقيق الشعور يتدفق حيوية ونشاطاً، آمن بأصالة اللغة العربية الناصعة" وتناولت قصائده أقلام النقاد فطالبته بالتعب أكثر، وركزت على طلاوة الكلمة وانسيابها الرقراق بين يديه.

ولم يخرج في مجموعته الثانية (نحن جمر الاحتراق) التي أصدرها بعد عام تقريباً من مجموعته الأولى عن الإطار العام الذي رسمه لنفسه، وطالبه محبوه وقراء شعره بالتريث وعدم استعجال الشهرة.

تريث عدة أعوام، وكان عمله الثالث (عندما تفقد ظلك) وظهرت قصائد التفعيلة لديه، فأمتعنا بهمساته الدافئة الجديدة، وتغير مدلول القصائد، ودخلت مفردات الوحدة والهم والحنان المفقود في قصائد الغزل.

في (بوح وجمر وظل) عمله الرابع، أراد أن يعلن لنا أنه يختصر أعماله الثلاثة الأولى في هذا العمل فأهداه إلى " وطن ينام على أصابع شاعر لم ينهزم يوماً أمام جراحه وإلى فقراء هذه الأرض وإلى قطرات الندى.." وصرت تقرأ الجدة في أشعاره، واحتلت هموم الوطن جانباً مهماً فيها، وإن لم تغب صورة شباك الحبيبة والريح العاشقة العابقة بأريج الياسمين والبنفسج وظل الهمس دافئاً عنده، وإن تناول الأوجاع والآلام:

نحن الذين نقض من جوع يدينا…

نشرب الآلام خمراً … في الصباح …

نأكل الأوجاع خبزاً … في المساء …

ونمتطي صهوات خيل العاشقين …

في مجموعة (قطرات من الندى) ظل وفياً للجمال وللحبيبة ولمدينة العشق والندى سلمية بلدة الشاعر، ويفيض فيها في الحديث عن العشق والأحلام والفجر الطالع دوماً، وعندما يهمس لأنثاه الحالمة يقول:

ولشعرك المرخي على كتفيك

يهرب من يديك مسافراً

لينام في وضح النهار على يدي

متنقلاً بين الأصابع

كي يذوبه الحنين

وتنتشي منه اليدان

ويخاطب سيد الفقراء أبا ذر الغفاري معبراً في رسالة احتجاج صارت معهودة في أشعاره المتأخرة:

عفواً أبا ذر تآكلت السيوف اليعربية

وتكسرت كل الرماح فلم يعد فيها بقية

وبقيت وحدك رافضاً أكل اللحوم الآدمية

ستظل في الصحراء وحدك تحتسي نخب البرية

وهو لم ينسَ مدينته سلمية فلها في قصائده دوماً محطة:

سلمية الشعر أهداك الضحى نسبا

فصرت بالشعر أماً للورى وأبا

كما انسابت همساته الحالمة للريح العاشقة وللأنثى الحبيبة نبض القلب في ديوانه (وجع المدى) الصادر عن اتحاد الكتاب العرب لعام 2001، وخاطب القمر الملقى على كتف المدى، ولم تغب هموم الوطن ورسائل الفخر إلى مقاومي الظلم والعدوان، وأرسل في إحدى قصائده تحياته إلى أبي العلاء المعري الفيلسوف الشاعر الذي حرمه القدر مثله من نعمة البصر:

أبا العلاء سقانا الدهر من يده

نخب المرارة والأحزان من صغر

وذرف دموع الياسمين على أستاذه الشاعر نزار قباني:

تبكي القوافي على من كان منتصباً

كقاسيون وفي عينيه أقمار

في (أغنيات دافئة) مجموعته الأخيرة الصادرة عام 2002، رفع الشاعر رايته البيضاء من جديد يغني للحب والحرية ويعزف على أوتار نبض القلب ويغفو يغالبه الشوق تحت شباك الحبيبة:

وأفتح كل أجنحتي … على امرأة أنوثتها.. بحجم أنوثة الصفصاف..

تنثرني وتجمعني … وتتركني أمام الجرح … أمسك قبضة اللهب..

فالأغاني يجب أن ترتب من جديد، وبالجسد القنبلة نشكل البلاد ونرتب الأغاني. وهكذا صار الشاعر نصر علي سعيد يغني للوطن حالماً بغد أفضل، متلمساً مواضع الوجع، وصارت أعراس الحب وصفاء الياسمين وهديل الحمام تهيئ لوطن أفضل غنى الشاعر للحبيبة وللمرأة الدفء، وأعاد ترتيب غنائه بعد ذلك فصار الصوت والنغم لازمة من لوازم بناء المجد، أغنت التجربة شاعرنا، وصار صوته يهدر في أمسيات الشعر، حتى أغنيات العشق التي بدأها مبكراً، رددها بمفردات جديدة، فصار لها وقع مختلف. وصار الشعر هاجس الحياة عنده، وكذا أيامه لا معنى لها بدون الشعر وحوارات الشعر..

وجلسات الشعر في عاصمة الشعر سلمية صارت ناقصة إذا لم يحضرها، والمعاناة عنده تهون عندما تكون الغاية أن يلقي أو يسمع الشعر.

وهو يملك رغم إعاقة البصر ذاكرة نشطة تسمح له بإلقاء الشعر ارتجالاً واستحضار الكثير من أبيات المتنبي والمعري ونزار والسياب وطوقان... ومقاطع كاملة من قصائد النثر التي انطلق بها روادها محمد الماغوط وسليمان عواد وإسماعيل عامود من بلدة الشاعر ورفعوا بنيانها على مستوى الوطن، وربما استحضار بعض آراء ذوي الاختصاص.

ولكن مرض الاستعجال لا يزال يصيبه منذ بداياته، فتفلت من يديه بعض قصائد أو بعض أبيات في قصيدة، لا يصح أن تنسب له، أو كان عليه أن يتجاهلها بعد أن علا شأنه وتعمقت تجربته الشعرية.

ينبهه قراء شعره، فيقر بالفعل ويعد بما هو أفضل، ولكنه ينسى وعده هذا بعد حين. صدر للشاعر مجموعة (جلنار الحب) عام 2005 ومجموعة (همسات لأنثى دامعة) عام 2006 عن دار إنانا بدمشق رحل الشاعر بتاريخ 31/3/2008 م إثر نوبة قلبية.      
                           
  المصدر: من كتاب شعراء سلمية للأديب محمد عزوز و من كتاب ( شخصيات من ذاكرة سلمية )
شكرا لتعليقك