الثورة العربية الكبرى ١٩١٦ (٣)
.......................................................................................
في سوريا والعراق
احتلت فرنسا دمشق في أعقاب معركة ميسلون، وأنهت حكم المملكة السورية العربية. بالنسبة لعبدالله، ابن الشريف حسين، عرض عليه وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل قيام دوله في الأردن تحت حكمه فوافق. فوصل إلى معان عام 1920 ومن ثم إلى عمّان عام 1921، وتمكن في الفترة الواقعة ما بين 28 و30 مارس 1921 من تأسيس إمارة شرق الأردن.
أما أخوه، فيصل بن الشريف حسين، فتم تعيينه ملكا على العراق. فعلى إثر ثورة العشرين في العراق ضد الاحتلال البريطاني عقد مؤتمر القاهرة عام 1920 بحضور ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطاني للنظر في الوضع في العراق. والتي اجبرت الحكومة البريطانية لتغيير سياستها بالتحول من استعمار مباشر إلى حكومة إدارة وطنية تحت الانتداب، بعد تكبد القوات البريطانية في العراق خسائر فادحة.
أعلنت بريطانيا عن رغبتها في إقامة ملكية عراقية، ورشح في هذا المؤتمر فيصل بن الحسين ليكون ملكا للعراق، تشكل المجلس التأسيسي من بعض زعماء العراق وشخصياته السياسية المعروفة، بضمنها نوري السعيد باشا، ورشيد عالي الكيلاني باشا، وجعفر العسكري، وياسين الهاشمي وعبد الوهاب النعيمي الذي عرف بتدوين المراسلات الخاصة بتأسيس المملكة العراقية. وانتخب نقيب أشراف بغداد السيد عبد الرحمن الكيلاني النقيب رئيسا لوزراء العراق والذي نادى بالأمير فيصل الأول ملكاً على عرش العراق.
في 12 يونيو 1921 غادر فيصل ميناء جدة في الحجاز متوجها إلى العراق على متن الباخرة الحربية البريطانية نورث بروك، وفي 23 يونيو 1921 رست الباخرة في ميناء البصرة، فاستقبل الأمير فيصل استقبالا رسميا حافلا، وبعدها سافر فيصل بالقطار إلى الحلة وزار الكوفة والنجف وكربلاء، ووصل بغداد في 29 يونيو 1921 واستقبله في المحطة السير بيرسي كوكس المندوب السامي البريطاني والجنرال هولدن قائد القوات البريطانية في العراق ورئيس الوزراء العراقي المنتخب عبد الرحمن النقيب وكان برفقه فيصل من جدة إلى بغداد مجموعه من ثوار ثورة العشرين الذين ذهبوا إلى الحجاز حاملين تواقيع ومضابط عدد كبير من وجهاء العراق وشيوخهم يدعونه فيها للحضور كملك على العراق، باعتباره أحد أنجال الشريف حسين.
في نجد والحجاز
بدلا من أن يحاول الشريف حسين بحل المشاكل بدبلوماسية أو لياقة سياسية، راح يطالب البريطانيين بسلسلة من المطالب جعلت البريطانيين يبتعدون عنه مؤقتا. وفي رسالة مفككة وغير مترابطة موقعه من ابنه فيصل، ربط فيها الشريف حسين الحركة السعودية من ناحية، والبلشفية (الروسية) والحركات التخريبية في آسيا من ناحية أخرى. وادعى بانه ليس متشددا، وانما "حرض على قتل السعوديين الأبرياء، مهما كان نجاح الوسائل الأخرى". ومن طلباته من البريطانيين في تلك الرسالة :
1-
التجنيد العاجل، سأبدأ فيه فورا
. 2-
احتلال بريطانيا العظمى شاطئ الأحساء.
3-
تقوم بريطانيا العظمى على وجه السرعة بارسال قوة عسكرية إسلامية إلى الحجاز برغم جميع الصعوبات.
4-
يجب إرسال طائرات إلى الخرمة قبل التعزيزات الأخرى، لمنع وقوع اية كوارث أخرى.
5-
يجب ابلاغي بالتطورات الجارية في مسألة استيراد الدبابات. فمتى تصل الدبابات إلى مصر؟ وتاريخ ارسالها إلى جدة. وبيان بالقوة العاملة عليها. 6-
تجميع كل معدات الحرب في مستودع خاص حتى لا يترتب على ذلك أي تأخير في قيام الحملة. وانا اقترح ان من الضروري إرسال المؤن والتدعيمات بصورة متدرجة وعلى فترات قصيرة.
ثم كتب الشريف حسين للبريطانيين يقول "ان مسألة الخرمة تعود إلى ابن سعود، ومن السهل حلها على النحو التالي. يتعين على بريطانيا العظمى قطع العلاقات مع ابن سعود." (برقية الشريف حسين إلى ابنه الأمير فيصل - مكتب السجلات العامة، مخطوطات وزارة الخارجية، مجلد 4144، وثيقة 10448)، وربط الشريف حسين هذا الحل بالتهديد بالاستقالة ما لم تنفذ "التوصية" وتضغط بريطانيا على ابن سعود. وبعد عام، اصر على تقديم استقالته، مما جعل أحد كبار المسؤولين في وزارة الخارجية البريطانية يرفق ملاحظة قائلا "في نفس الوقت، اصبحت تهديدات الملك حسين المستمرة بالاستقالة رتيبة وربما كان من الأفضل ان نوافق له على ما يريد ونسأله عمن يود تعيينه خليفة له".
واخذ المكتب السياسي البريطاني في بغداد تهديداته بالاستقالة على محمل الجد، وقال المكتب السياسي "استقالة الملك حسين، ربما يكون أفضل ما يمكن عمله على المدى البعيد، فربما تسهل انسحاب ابن سعود، وقد تؤدي إلى تسوية الخلافات بين نجد والحجاز لأن السبب الرئيسي في كل الموقف الحالي هو اللقب الذي يحمله الملك حسين" (المكتب السياسي، بغداد، 14 يونيو 1919، مكتب السجلات العامة مجلد 4146 وثيقة 90222).
ورغم التهديدات بالاستقالة، حاول البريطانيون التعامل معه بايجابية ونصحت الحكومة البريطانية ابن سعود بكلمات قوية تماما، انه ما لم يسحب اخوانه من الحجاز، فان استمرار احتلاله لتلك المناطق يمكن تفسيره بانه "اتخذ موقف العداء المباشر منها" (من وزير الداخلية إلى المفوض المدني، بغداد، 30 مايو 1919، مجلد 4146 وثيقة 83242 من مخطوطات وزارة الخارجية) واخذت الحكومة البريطانية الترتيبات اللازمة لارسال العديد من الطائرات إلى الحجاز. ومع ذلك ادرك المراسلون الموجودون أن الطائرات لن تحل المشكلة. وقال "ويلسون" "ان مسألة إرسال طائرات تكر جنمي تعبيرا عن اهتمامنا بمساعدة الملك حسين، وبرغم اني لا اصدق ان طلعات الطيران قادرة على وقف ما بين 20،000، إلى 30،000 من الاخوان الذين هم على درجة عالية من التشدد الديني. وقد يؤثر وصول الطائرات على سكان المدن، وقد يغري العرب المترددين بالانضمام إلى الأمير عبد الله" (برقية من اللواء اللنبي إلى وزارة الخارجية، مجلد 4146، وثيقة 86805)
وبعد وصول ابن سعود إلى الطائف، اجتمع وجهاء الحجاز في جدة، وقرروا ان يتخلى الملك حسين عن الحكم لابنه عليا آملين ان يفتح هذا باب الصلح. (الريحاني، ص 336، السباعي، ج 2 ص 246) ومع تكرار حديثه عن الاستقالة، ومع ما آلت إليها الامور، ترك الحكم لابنه عليا عام 1343 هـ على أن يقوم بدعم ابنه من الخارج، حيث أنه وبتعيين بريطاني أصبح ابنه فيصل بن حسين ملكا على سوريا، (وحينما اعترضت فرنسا تم تعيينه ملكا على العراق)، وعبدالله تم تعيينه ملكا على امارة شرق الأردن. فرأى انه من الأفضل ان يدعم ابنه عليا من الخارج، وذهب إلى العقبة وصار يرسل المال لابنه ويحرضه على ابن سعود الذي كان لسادن الكعبة عبد القادر الشيبي وغيره الكثير من أهل مكة دور في دعم ابن سعود وتسهيل دخوله مكة بسلام، حيث عين خالد بن لؤي أميرا عليها.
وبعد ذلك عام 1925 م، 1344 هـ، ومع كثرة المعارضين له في الداخل وحصار جدة من الحارج، وبعد محاولات استخدام الاعلام ضد اتباع ابن سعود، ومحاولات سياسية وعسكرية وغيرها، ادرك علي بن حسين انه لن يستطيع الصمود وقرر تسليم جدة بعد أن ضمن عبد العزيز بن سعود سلامة الجميع. فاتصل علي بن حسين على القنصل البريطاني لتنسيق التسليم، وذلك عام 1344 هـ، حيث تسلم ابن سعود الحكم، وعمل على سلامة الجميع وتعهد بانه من يرغب من العسكريين الاجانب فله الرحيل إلى وطنه الأصلي. أقام الشريف حسين عدة أشهر ثم أخبره ابنه بأن البريطانيين يرون أن بقاءه في العقبة قد يعرضه لهجمات ابن سعود. بعدها وصلت إلى مينائها مدرَّعة بريطانية، ركبها وهو ساخط إلى جزيرة قبرص سنة 1925 م، وأقام فيها ست سنين، ثم مرض فعاد إلى عمّان بصحبة ولديه فيصل وعبد الله، وبقي في عمان حتى توفي ودفن في القدس.
يتبع .....ويكيبيديا
صورة لمقاتلين عرب يحملون علم الثورة
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء