الوعي الانساني الجديد
(5) التشاورية والديمقراطية الشعبية
...................................................................
لا يوجد شكل محدد للتشاورية ولا للديمقراطية الشعبية فلكل منطقة تجاربها التاريخية في هذا الخصوص، تبعا للظروف التاريخية والثقافية لكل دولة أو كيان سياسي. إلا أنه مع تعمق تمازج الحضارات والثقافات في العالم من خلال قوة التبادل وتوسع وسائل التواصل الاجتماعي يمكننا توقع اقتراب الإنسانية لأشكال محددة من التشاورية والديمقراطية بمفهومها الشعبي والمجتمعي.
والوعي الانساني سيبقى محدودا طالما بقي اسير الفردية ولهذا فإن اعتماد الديمقراطية الشعبية والمجتمعية والتشاورية كطريقة للحكم واتخاذ القرارات بهدف بناء الدول وتحقيق طموحات الشعوب والقضاء على الديكتاتوريات المدعومة امبرياليا، ومحاربة القتل بكافة أشكاله البيولوجي والاقتصادي والسياسي. وصون حرية وحقوق الإنسان في الكرامة والحياة الكريمة، إن اعتماد هذه النقاط يمكن عدها جزء لا يتجزأ من الوعي الانساني الجديد . وفيما يلي بعضا من النقاط الاستشرافية حول هذه القضية:
1. لا تشاورية ولا ديمقراطية مع الديكتاتورية، فهذان ضدان لا يلتقيان، ووجود الديمقراطية إلى جانب الديكتاتورية لا يعني إلا أن هذه الديمقراطية هي محض تزييف وخداع للرأي العام الوطني أو الدولي، ولهذا فإن النضال من أجل التشاورية والديمقراطية يقتضي بالضرورة النضال ضد الديكتاتورية.
2. لا يمكن الأخذ بالتجربة الاشتراكية الشرقية التي أطلقها الاتحاد السوفيتي سابقا حول ما أسماها بالديمقراطية الشعبية التي كانت في حقيقتها تغليف للديكتاتوربة بغلاف شعبي، وكانت تعتمد على انتخابات حزبية هرمية تبدأ من القاعدة وتنتهي بالرأس المتمثل بالسكرتير العام للحزب الشيوعي، الذي كان ديكتاتورا حقيقيا لديه صلاحيات كبرى.
3. لا يمكن نسخ التجربة الديمقراطية الغربية نسخا أعمى؛ خصوصا أنه قد أثبت بالأدلة قدرة المال السياسي على اللعب بعمليات التصويت وهو أمر يجعل من الطبقة الرأسمالية والنخبة المالية هي المتحكم الأول والأخير في البلاد. وبالوقت نفسه لا يمكن أن ننكر أن الديمقراطية الغربية رغم عيوبها ورغم الثغرات التي تتخللها إلا أنها مثلت النموذج التاريخي الأفضل لتداول السلطة والإنتخاب وترشيح الأشخاص والمشاريع والأفكار. وبالتالي يجب اعتمادها بعد تنقيتها من الشوائب، ومنع المال وأصحاب المال من التغلغل في القرار السياسي، وهو ما يزيد من السمة الشعبية للديمقراطية المأمولة .
4. من الصعب استشارة الشعب في كل شيء، كما أنه لا يمكن ترك الأمور التنفيذية للحاكم وحكومته دون رقابة، ولهذا لابد أن تحاط اي حكومة بأربعة مرجعيات مجتمعية تحدد مسارها السياسي والتشريعي وتراقب تنفيذها فنيا : المرجعية الأولى هي الشعب أو ما يسمى بالجمعية العمومية مهمته الإنتخاب والتصويت على القضايا المصيرية وعلى صلاحية الحكومة. الثانية هي البرلمان مهمته التشريع وسن القوانين، الثالثة مجلس الشورى مهمته التصويت على المشاريع والافكار و مراقبة الحكومة، الرابعة مجلس الخبراء فيه المرجعيات العلمية الاستشارية المختصة لمعاينة عمل الحكومة فنيا.
5. الثقافة التشاورية الديمقراطية: كذلك من الصعب بناء مجمع تشاوري ديمقراطي، إن لم نزرع هذه الثقافة في المجتمع منذ النشأة الأولى، فمن الضروري تربية الأبناء تربية ديمقراطية تقوم على احترام رأي الطفل ووجهة نظره، وتعويده على الروح الجماعية وعلى احترام رأي الأغلبية الحكيمة، وتعويده على عملية التصويت نفسها، وهذه بمثابة بذار لبناء الغد. وهو ما يقتضي خفض السلطة الأبوية القهرية لصالح العلاقة الأبوية التوجيهية.
(يتبع)
علي حسين الحموي
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء