مسرحية الشريط الأخير لصمويل بيكيت "مونودراما عبثية"
.......................................................................................
كتاب مسرح الطليعة - ولا سيما كتاب العبث - أعادوا النظر في كل أشكال المسرح واتجاهاته الموروثة لا ليحاكوها أو يبنوا عليها بل ليعصفوا بها ويشيدوا على أطلالها فنهم الجديد الذي هو في رأيهم ابتكار وخلق جديد وليس تقليدا ومحاكاة كما هو الإبداع المسرحي عند الكتاب الذين سبقوهم في الكتابة للمسرح منذ الإغريق وحتى العصر الحديث
ومن أشكال المسرح الحديثة المونودراما وهي مسرحية يقوم ممثل واحد بالتمثيل فيها ومن أوائل المونودراما في العصر الحديث مسرحية الأقوى لاسترندبرج ومسرحية قبل الإفطار ليوجين أونيل وقد تأثر فيها أونيل بمسرحية الأقوى لاسترندبرج في موضوعها والشكل المونودرامي المصاغة به
ونرى صمويل بيكيت يكتب مسرحية الشريط الأخير بطريقة المونودراما ولكنها مونودراما مصاغة بأسلوب عبثي فليس فيها حدث محدد يمكن تتبعه وليس فيها هدف تدعو إليه بل يستشف منها بعض المعاني التي نرى أصداءها تتردد في مسرحيات كتاب العبث ومنها فراغ العالم من المعنى وانعزال الإنسان في نفسه وعدم قدرته على التواصل مع أحد - وبالطبع لا أتفق مع نظرتهم هذه للحياة -
وتدور المسرحية في غرفة بمنزل كراب الذي بدا رجلا مسنا قذر الهيئة فوضويا فهو يأكل الموز ويرمي بقشره في أرضية حجرته وهو مدمن للشراب وتمر عدة دقائق من المسرحية ولا نراه يفعل شيئا مهما ولا يتكلم وحين يتكلم لا نستطيع أن نتبين كلماته ونعلم من الأشرطة التي يديرها في مسجله أنه كاتب قصاص انزوى في النسيان وأصبح سجين بيته يجتر ذكرياته التي اعتاد أن يدونها في أشرطة مع مناسبة يوم ميلاده
ونراه يدير أشرطة ونسمع فقرات منها ثم يغيرها ويضع غيرها ولا نستطيع أن نتعرف إلا على مواقف مبتورة مرت بحياته وأهم ما بها أنه عرف بعض النساء وعشقهن وأعجبه أعينهن ويتوقف بشريط خاص يحكي فيه غرامه بفتاة صحبها في قارب
وفي شذرات نستوضحها من تسجيلاته القديمة يسخر من فترات شبابه التي كان فيها أبله وخلال استماعه لفقرات من هذه الأشرطة يذهب لجانب مظلم من الحجرة يشرب فيه من زجاجات يفتح سداداتها ولا نراه في هذا المكان المظلم ولكن نسمع صوت فتح الزجاجات ومسحه فمه عندما يعود لمكان الضوء
وهذه المسرحية - كما نرى - لا نرى فيها خيطا دراميا ولا أي أحداث مترابطة وتبدو شديدة النظرة السوداوية للعالم فكراب بطلها الوحيد سجين حجرته بإرادته لعدم قدرته على التواصل مع أحد من الناس وقد تحولت حجرته لما يشبه برميل من القمامة وحركاته فيها قليلة ولا يفعل شيئا سوى أن يجتر ذكريات ماضيه عن طريق الأشرطة المسجلة ويعلق عليها بكلمات مبتورة من الصعب استيضاح معناها سوى أنها توحي بالتذمر
واستخدام بيكيت المسجل كوسيلة لاستعادة الذكريات وسيلة حديثة ولكنها توحي بوحدة الإنسان في هذا العصر من وجهة نظر كتاب العبث فلا يوجد شخص آخر يحكي له ذكرياته سوى تلك الآلة
وبعد فهذه المسرحية القصيرة من أشد مسرحيات كتاب العبث قتامة وتخلو مما نراه في مسرحياتهم من الفكاهة والسخرية
علي خليفة
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء