الشيخ إمام أول سجين بسبب ألحانه في التاريخ العربي
الشيخ إمام واسمه الحقيقي إمام محمد أحمد عيسى ولد عام 1918 في قرية أبو النمرس بمحافظة الجيزة لأسرةٍ فقيرة وكان أول من يعيش لها من الذكور. أصيب في السنة الأولى من عمره بالرمد وفقد بصره بسبب الجهل الحالك واستعمال الوصفات البلدية في علاج عينيه.
بدأ إمام شقّ طريقه الفني في منتصف الثلاثينيات فتعرّف على الشيخ زكريا أحمد الذي ساعده في تنمية موهبة التلحين لديه.
وبعد ذلك، تعرّف إمام على الشاعر أحمد فؤاد نجم عام 1962 وتمّ ذلك عن طريق زميلٍ لابن عم نجم كان جاراً للشيخ إمام، ويذكر أنّه عندما سأل نجم إمام لماذا لم يلحّن إلى الآن، أجابه الشيخ إمام أنه لا يجد كلاماً يشجعه على ذلك، وبعدها بدأت الثنائية بين الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم وتأسست شراكة دامت سنواتٍ طويلة.
ذاع صيت الثنائي نجم وإمام والتف حولهما المثقفون والصحفيون خاصةً بعد أغنية: “أنا أتوب عن حبك أنا؟ “واستطاع الشريكان أن يقولا ما يجب أن يقال وفي التوقيت المثالي لذلك
فما لبث أن انضم إليهم عازف الإيقاع محمد علي ليكونوا معاً ثلاثيةً فنيةً غني
الشيخ إمام أول سجينٍ بسبب الغناء في التاريخ العربي
كغيره من المصريين زلزلت هزيمة حرب يونيو 1967 إمام وسادت نغمة السخرية والانهزامية بعض أغانيه مثل “الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا – يا محلى رجعة ظباطنا من خط النار“.
فانتشرت قصائد نجم التي لحنها وغناها الشيخ إمام كالنار في الهشيم داخل وخارج مصر،
لكن سرعان ما تبدل الحال، وانقلبت الموازين عندما قام إمام بالهجوم في أغانيه على الأحكام التي برّأت المسؤولين عن هزيمة 1967، فصارت أغانيه مُلهمةً للملايين
فتمّ القبض عليه هو ونجم ليحاكما بتهمة تعاطي الحشيش سنة 1969 ولكن القاضي أطلق سراحهما، لكن الأمن ظلّ يلاحقهما حتى حكم عليهما بالسجن المؤبد ليكون الشيخ أول سجين بسبب الغناء في تاريخ الثقافة العربية.
قضى الشيخ إمام ونجم الفترة من هزيمة يوليو حتى نصر أكتوبر يتنقلان من سجنٍ إلى آخر ومن مُعتقلٍ إلى آخر وكتب نجم القصيدة في سجن القناطر اغنيته المشهورة
شيد قصورك،
“وأطلق كلابك في الشوارع،
واقفل زنازينك علينا..
وقل نومنا في المضاجع،
آدي احنا نمنا ما اشتهينا..
واتقل علينا في المواجع،
إحنا اتوجعنا واكتفينا..
وعرفنا مين سبب جراحنا،
وعرفنا روحنا والتقينا”.
داخل السجن كان الشيخ إمام يتلكأ في الربع ساعة المخصصة لذهابه لدورة المياه أمام زنزانة نجم فيسمع ما لديه من أشعارٍ ويحفظها ثم يعود إلى زنزانته ليلحّنها ويغنيها. وانتشرت أغانيهما بين المعتقلين وكان منها أغاني (سجن القلعة) و(الممنوعات).
تمّ الافراج عن الثنائي بعد موت جمال عبد الناصر، فخرجا من السجن ليجدا روحاً جديدةً تدبّ في مصر التي انشغل فيها الشباب بالقضايا الوطنية. لهذا خرجت الأغاني مفعمةً بالأمل وغنى بين الطلاب المتظاهرين في جامعه القاهرة (رجعوا التلامذة للجد تاني) و (مصر يامه يا بهية). وهذا ما عرّضهما للاعتقال مرةً أخرى ولم يخرجا إلا بعد حرب اكتوبر 73.
وفي عام 1974 قرر الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون زيارة مصر، وأعدّ الرئيس السادات حينها استقبالاً شعبياً لنيكسون، مما أثار حفيظة العاشق لقضايا شعبه، ولم يستطع السكوت عن مثل هذا الخطأ، فقرر أن يرفع صوته فوق صوت الآلاف التي حشدها السادات للترحيب بالرئيس الأمريكي في أغنيةٍ باسم “شرفت يا نيكسون بابا“.
“جواسيسك يوم تشريفك عملولك زفة وزار”
تصاعدت الاحتجاجات الشعبية ضد كامب ديفيد عام 1979، واختار الثنائي نجم وإمام أن يكونا مع الطلاب مجدداً. فأحيا حفلاً في جامعة عين شمس وتم القبض عليهما بعدها وحكم عليهما بالسجن لمده عام بتهمة (سبّ الذات الرئاسية) وأطلق سراحهما بعد اغتيال السادات.
لم تستطع أية قوة أن توقف هذا الفكر المتدفق، ولم يستطع أي مُعتقل أن يضفي الظلام على تلك الألحان النيّرة، بل أزكى الاعتقال والسجن شعلة إبداعه.
وظل الشيخ إمام ممنوعٌ من السفر حتى عام 1984، وبدأ عندها بتلقي الدعوات الكثيرة من مختلف بلدان العالم، فقام بإحياء عدة حفلاتٍ في باريس حيث تلقى دعوةً من وزارة الثقافة الفرنسية لإحياء بعض الحفلات في فرنسا، وحظيت تلك الحفلات بإقبالٍ جماهيريٍ واسعٍ، وبدأ في السفر حول الدول العربية والأوروبية لإقامة الحفلات الغنائية التي لم تزد نجاحه إلا نجاحاً، وكان دائماً بُلبُلاً يصدح بالنهضة والثورة، ومنبراً لحركات التحرر العربية والعالمية حتى أنه شارك في المؤتمر العالمي للشبيبة في موسكو.
منقول
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء