pregnancy

خيال الظل ..مسرح









خيال الظل هل هو أحد فنون الفرجة أم 
هو شكل مسرحي عرفه العرب؟

اختلف الباحثون في توصيف خيال الظل هل هو فن فرجة أم إنه 
شكل مسرحي عرفه العرب قديمًا؟ ونحب أولاً أن نعرف بخيال الظل، وكيفية معرفة العرب به.
خيال الظل يتم عرضه في مسرح يجلس فيه الجمهور، ويشاهد على ستارة بيضاء ظل عرائس مصنوعة من جلد الجمال حين ينعكس ضوء مصباح عليها، ويحرك هذه العرائس شخص 
– أو أشخاص – يعرف بالمخايل، وينوب عن هذه العرائس بالكلام شخص – أو أشخاص – يطلق عليه الحازق، ثم هناك الريس الذي يتابع ما يقوم به المخايل والحازق، ويتابع أيضًا كل ما يخص عروض خيال الظل، وهو شبيه بالمخرج بمفهوم عصرنا.
وهناك اختلاف بين الباحثين هل ابتكر العرب خيال الظل أم نقلوه عن بعض الأمم، وبخاصة الهند أو الصين.
والمؤكد هنا أن خيال الظل – حتى لو كان أصله الهند 
أو الصين – فقد صار في محتوى باباته – أي مسرحياته – وفي طريقة عروضه مصبوغًا بالروح العربي، وخاصة البيية المصرية. وهذا الحكم من خلال ما وصلنا من بابات وأخبار عن خيال الظل في بعض الكتب العربية القديمة.
وعن العصر الذي عرف فيه العرب فن خيال الظل، فنجد خبرًا في كتاب جمع الجواهر في الملح والنوادر نرى فيه دعبلاً الخزاعي الشاعر مع مخنث، وفي هذا الخبر يهدد دعبل – الذي كان يعيش في القرنين الثاني والثالث الهجريين – هذا المخنث أنه سيهجوه، فيرد عليه ذلك المخنث بأنه إذا هجاه فسيخرج أمه في الخيال.
إنه خبر يتيم من الصعب أن نبني عليه، ونجزم أن العرب عرفوا خيال الظل في القرن الثالث الهجري.
 ويؤكد ضعف هذا الخبر – أو كون المقصود بالخيال هنا أمرًا آخر غير خيال الظل – أننا نجد الخليفة المتوكل – تولى الخلافة سنة 232 هجرية وقتل سنة 247هجرية – حين تولى الخلافة أمر بإحضار كل الملهين إليه، ولم يكن بينهم أصحاب خيال الظل. والشيء المؤكد أن عروض خيال الظل كانت منتشرة في مصر – على وجه الخصوص – في القرن السادس الهجري، وظهر في هذا القرن أشهر شخص ارتبط به فن خيال الظل هو ابن دانيال الكحال الذي ولد في الموصل، ثم انتقل لمصر بعد احتلال التتار للعراق.
وعمل ابن دانيال في بداية حياته بكحالة العيون، وتأليف الشعر، وحسن حاله بعد أن اتصل ببعض الأمراء ومدحهم، ونال منهم عطاياهم.
وضاع ديوان ابن دانيال، ولكن ما وصلنا من شعره يدل على قوة شاعريته، وامتلاكه روحًا ساخرًا وقدرة عالية على التصوير الكاريكاتوري.
واتجه ابن دانيال بعد ذلك – في القرن السابع الهجري – لفن خيال الظل، فكان يؤلف باباته، ويخرجها، ويمثلها، ووصلنا من باباته ثلاث بابات نشرها الدكتور إبراهيم حمادة بعد أن حذف منها كثيرًًا من العبارات الماجنة، وهذه البابات هي بابة طيف الخيال، ويصور فيها ابن دانيال الأمير وصال شخصًا بائسًًا لجأ لخاطبة؛ لتخطب له عسى أن ينصلح حاله، وتصف له الخاطبة امراة بالجمال الباهر، فيتزوجها، ثم يكتشف بعد دخوله بها دمامتها، فيكيل لها السباب وللخاطبة التي تسببت في زواجه منها، ثم يقرر التوبة من ذنوبه، ويحج لبيت الله الحرام.
ويرى بعض الباحثين أن هذه البابة فيها إسقاط سياسي؛ فابن دانيال يقصد بالأمير وصال الخليفة العباسي الذي استقدمه بيبرس وعينه خليفة، ولم يكن له من أمر الحكم شىء.
والبابة الثانية هي بابة عجيب وغريب، ويصور لنا فيها ابن دانيال كثيرًا من أصحاب الحرف البسيطة  – في عصره  – التي يتسلى الناس بأعمالهم، كالقرداتي والحواة وغيرهما، وما أقرب الشبه بين هذه البابة والمقامة الرصافية لبديع الزمان الهمذاني، فهما تقدمان بعض فنون فرجة عرفها العرب قديمًا خاصة من جماعة كان يطلق عليها بنو ساسان. وبابته الثالثة المتيم.
وأسلوب المقامة تمثيلي، ففيها أشخاص يتكلمون، ويتحاورون. وتتشابه البابة مع المقامة في صفات عديدة، فالبابة لغتها – كالمقامة – تجمع بين الشعر والنثر والحوار والخطابة.
وبعد ابن دانيال لم يذكر أحد نال شهرته في فن خيال الظل، وأغلقت مسارح خيال الظل وألغيت في فترات عديدة بسبب ما في باباتها من إسراف في المجون.
*  * *
وهناك من الباحثين من يعدون خيال الظل لا علاقة له بالدراما إلا من باب التجوز، ويرونه فنًّا شعبيًّا للعامة له لغة رديئة، ومن الباحثين الذين يقولون بهذا الرأي الدكتور عبد المعطي شعراوي والدكتور محمد مندور.
وهناك باحثون آخرون يتحمسون لهذا الفن، ويرونه 
شكلاً من أشكال المسرح عرفه العرب – والمصريون على وجه الخصوص – في القرن السادس الهجري وما تلاه من قرون، ويقولون: إن خيال الظل شكل مسرحي له كل خصايص المسرح من تمثيل يعرض أمام جمهور في قاعات مغلقة ثابتة أحيانًا ومتنقلة أحيانًا أخرى.
ومن الباحثين الذين يقولون بهذا الراي الدكتور علي الراعي والدكتور إبراهيم حمادة،وأنا أتفق مع أصحاب الرأي الأخير.
وإذا كان المسرحيون في عصرنا يعدون مسرح النو الياباني أحد أشكال المسرح، وكذلك رأيهم في مسرح الكابوكي فمن العدل إذًا أن نعد فن خيال الظل أحد أشكال المسرح، وليس مجرد أحد فنون الفرجة.
وبناء على ذلك فإننا نعتز بأن جدودنا عرفو أحد أشكال المسرح، ووصلتنا بعض باباتهم منه. وفي رأيي أنه يجب علينا أن نعرض بعضها بعد إعدادها بما يناسب الخلق والذوق، وكذلك أرى أن يكون للمؤساسات الحكومية دور في الاهتمام بهذا الشكل المسرحي التراثي، كنوع من الحفاظ على تراثنا وهويتنا، وذلك بإنشاء عدة مسارح ظلية للكبار والصغار، وكتابة نصوص له تلائم طبيعته.
وفي هذا الموضع نشكر الدكتور نبيل بهجت الذي تحمس لهذا الفن وفن القراقوز، وقدم لهما عروضًا كثيرة، نأمل أن يكون وثقها، ونأمل أيضًا أن نرى آخرين معه يحيون هذين الفنين مع مساعدة مأمولة من الدولة في ذلك.

منقول
شكرا لتعليقك