pregnancy

ديوان ديك الجن الحمصي ...!!





ديوان ديك الجن الحمصي..!!!
...................................................................................................................................................................


صدر عن اتحاد كتاب العرب في دمشق عام 2004ديوان ديك الجن الحمصي واسمه (عبد السلام بن رغبان )،جمع وتحقيق ودراسة الأستاذ (مظهر الحجي)،يقع الديوان في /336/ صفحة،
ولأنّ هذا الشاعر له صلة بسلمية،أو ربّما يذهب البعض إلى اعتباره شاعر فذ من شعراء سلمية،ونسبة الحمصي جاءته من تنقله الدائم بين سلمية وحمص،ومهما يكن من اختلاف حول نسبه،وصلته بسلمية،إلا أنّ لهذا الشاعر ولشعره مكانة مرموقة في عالم الشعر،بالإضافة إلى أنّه يمثل مرحلة تاريخيّة مهمة من حياة سلمية،لذك أحببت أن ألقي الضوء على ديوانه الذي يحتوي
 على مايلي:
مقدمة 5
ديوان ديك الجن المخطوط : 6
ديوان ديك الجن المطبوع : 8
عملي في هذا الديوان : 13
جاء في المقدّمة:
*************
لم يكن اختياري لإعادة جمع شعر ديك الجن وتحقيقه(1) وليد مصادفة عارضة، بل كان نتيجة لدراسة متأنّية نابعة من تواصل عميق مع هذا الشاعر، ومتابعة جادة لمعظم ما ورد عنه في كتب التراث، ولكلّ ما جُمع من شعره، أو ما صدر عنه من بحوث ودراسات وأعمال إبداعية. لقد عايشت هذا الشاعر، لسنوات عديدة خلت، قراءة ودراسة ومحاضرة، وشاركت في عدد من الندوات الجامعيّة والمصوّرة ( التلفزيونية ) والإذاعية التي بحثت في الشاعر وشعره، كما تتبّعت أخباره وشعره التائه في بطون كتب التراث، حتى اجتمعت لديّ مادّة، أحسب أنها جليلة وهامّة، كما أزعم أنها كانت حافزاً قوياً ومؤرّقاً، يطالبني بين الفينة والفينة بإنصاف هذا الشاعر وإبراز المكانة الهامّة التي احتلها بين أنداده من شعراء العصر العباسي. 
وتأسيساً على ما أسلفت، فإنني أزعم أن الشاعر عبدَ السَّلامِ بنَ رَغْبانَ، الملّقب بدِيك الجِنِّ، والمتوفّى عام 236 هـ/850م، هو واحد من أهم الشعراء العرب في العصر العباسي الأول.
• وتحت عنوان( عملي في هذا الديوان) يقول محقّق الديوان:
*****************************************************
اجتمع لدي من شعر ديك الجن ( 988 ) بيت، موزعة على     ( 213 ) نص، ما بين القصيدة والمقطوعة، والنتفة، والبيت المفرد والشطر، وبذلك أكون قد أضفت إلى آخر ديوان مجموع (القوّال)، ( 204 ) بيت شعري، إضافة إلى عشرات المصادر التي لم يستطع الجامعون السابقون الوصول إليها( ) .
ويقول المؤلف في بحثه عن أسرة ديك الجن:
وقد استقرت أسرة الشاعر في سَلَمْيَةَ( ). ثم انتقلت إلى مدينة حِمْص، وفيها ولد الشاعر عبد السلام عام 161 هـ / 777م، وتوفي فيها عام 236 هـ / 850م في خلافة المتوكل. 
• أما عن لقبه(ديك الجن) فيعلّل المؤلف ذلك بالقول:
********************************
وفي رأيي أنّ ما أُثر عن الشاعر من ولع في الخروج إلى البساتين هو أرجح هذه الأسباب. ولست أردّ هذا اللقب إلى الدويّبة المعروفة بديك الجن، وإنما أرده إلى عبث عبد السلام ولهوه. أكبر الظن أن عبد السلام كان يرفع عقيرته بالغناء أو إنشاد الشعر في أخريات الليل وهو عائد مع أصحابه من سهراته الطويلة، ومجالس الأُنس والخمر في غِياض العاصي، فيجرح سكون الطبيعة والمدينة الهاجعة. 
ومشهد السكارى العائدين من نزهاتهم على ضفاف ( العاصي )( ) بعد منتصف الليل وهم يغنون ويطربون حتى دخولهم المدينة، مشهد معروف ومألوف في مدينة حمص حتى أيامنا هذه. 
ومن المعروف أن الدِيَكَة تصدح في أوقات متفرقة من الليل( ). لذا أطلقوا على هذا الصوت الغريب ( ديكَ الجِنِّ ) نسبة إلى الجِنّ والعفاريت التي يُعتقد أنها تخرج في الظلام. وتمييزاً له عن الديَكة الحقيقية، وعن البشر الذين يندر خروجهم وغناؤهم في مثل هذا الوقت. وربما يدعم هذا الرأي هجاء ديك الجن لنفسه، بقوله :
أنـا إنسـانٌ بَرانـي اللّـ ـهُ فـي صُـورة جِنِّـي( )
• ومن مواقف ديك الجن من المرأة يقول جامع الديوان:
*********************************
وكان ديك الجن يخاف من المرأة. وقد يكون من المستغرب أن يخاف من المرأة رجلٌ عرف الكثيرات من النساء، ولكن الاستغراب ينتفي، والدهشة تزول إذا عرفنا أن خوفه نابع من هذه المعرفة الكثيرة للنساء. إن هذه المعرفة وَلَّدت في نفسه الشَّكَ بوفاء المرأة أو قدرتها على الوفاء، وحينما حاول أن يقيم توازناً بين خوفه من غدر المرأة وبين وفائها، أخفقت محاولته إخفاقاً مريعاً، وانتهت تجربته مع " ورد " نهاية مأساوية فاجعة، وعاوده خوفه من جديد( ) :
لَـكِ نَفْـسٌ مُواتِيَـهْ 
 والمنايـا مُعَادِيَـهْ 

أيّهـا القلـبُ لا تَعُدْ 
 لهـوى البِيْضِ ثانيـهْ 

ليس بَـرْقٌ يكـونُ أَخْـ 
 ـلَبَ من بـرقِ غانِيَـهْ 

• ديك الجن والصعلكة:
****************
. إنه يرى في نفسه صعلوكاً حقيقياً، وهو يقول : ( )
لا تَقِفْ للزمانِ في مَنْـزلِ الضَّيْـ 
 ـمِ ولا تَسْـتَكِنْ لِرِقَّـةِ حالِ 

وإذا خفتَ أنْ يراهِقَكَ العُدْ 
 مُ فَعُذْ بالمثَقَّفاتِ العَوالي 

ولقد جعلته الحياةُ المتصعلكةُ عُرضة للنقد اللاذع من المتمسكين بقوانين المجتمع ونظمه، بل والهجوم على مجالسه من قبل أقربائه المتزمتين وعلى رأسهم ابنُ عمّه أبو الطيب، ثم انتهى إلى منفاه الاختياري خارج مدينة حمص في بساتين نهر العاصي وغياضه، منغمساً بلذّاته، بعيداً عن عيون مطارديه،
• وعن فلسفته في شعره يقول:
******************
وحينما تشتد عليه الوطأة، كان يفرُّ في اتجاهين : الاتجاه الأول كان الطبيعة، والاتجاه الثاني كان الخمرة. لقد كوَّن لنفسه ما يمكن أن نسميه الفلسفة الماديَّة الحِسِّيَّة، وكان ركنا هذه الفلسفة، الخمرة واللذة الجنسية.
وما بين هذين القطبين : الخمرة واللذة، أمضى أيامه سادراً، يقول : ( )
خُذْ يا غلامُ عِنانَ طَرْفِكَ فالْوِهِ 
 عنّي فقدْ مَلَكَ الشَّمولُ عِنَاني 

سُكْرانِ : سُكْرُ هوىً وسكرُ مُدامَةٍ 
 أَنَّى يفيقُ فتـىً به سُكْرانِ 

• مكانة ديك الجن بين شعراء عصره:
************************
يقف ديك الجن بين شعراء عصره ؟ يمكننا القول إن ديك الجن كان قامة طويلة، لا تقلّ طولاً عن كبار شعراء العصر العباسي، من أمثال أبي تَمّام، وأبي نُواس، والبُحتري، ودِعْبِل الخُزاعيّ، ومن في طبقتهم من الشعراء الروّاد المجدّدين، وإن الاهتمام الواسع الذي لقيه شعرُه من النقاد في زمنه، وماتلاه، دليل كبير على مكانته الشعرية، إذ قلّما يخلو كتاب من كتب التراث، من خبر عنه، أو حكم نقدي، لـه أو عليه، وأذكّر هنا بأن ( ابن الأَثِير ) قد جمع شعره مع شعر أبي تَمّام والبُحتري والمتنبيّ في مجلّد واحد( ) وإن تقوقعه في الشام، وهيامه على وجهه في بساتين حمص وغياضها، لا يعني أنه كان مجهولاً أو مغموراً في عصره، على الرغم من أنه لم يَسْعَ إلى البلاطات والقصور، ولم ينافس المنشـدين، ولم تُسَلَّط عليه الأضواء التي سُلِّطتْ على شعراء المديح.
• آراء النقاد القدماء بديك الجن وشعره :
  ********************************
أ – في الأغاني : " وهو شاعرٌ مُجيدٌ، يذهب مَذْهَبَ أبي تمّام والشّامِيّين في شعره. "( ) ا هـ .
ب – في العمدة : " وأبو تمّام من المعدودين في إجادة الرّثاء، ومثله عبدُ السلام بنُ رَغْبان، ديكُ الجن، وهو أشهر في هذا من حَبيبٍ، وله طريق انفرد بها. "( ) ا هـ
يقول ابن رشيق : " وديكُ الجنّ، وهو شاعر الشّام، لم يذكر مع أبي تمّام إلا مجازاً، وهو أقدم منه، وقد كان أبو تمّام أخذ عنه أمثلة من شعره، يحتذي عليها، فسرقها. "( ) ا هـ .
الخاتمـة :
************
ربما أمكننا القول إن ديك الجن الحمصي يمثل نموذجاً فريداً، أو هو يمثل النموذج الأكثر غرابة وإثارة في تاريخنا الشعري العربي الطويل. بل ربما أمكننا القول إنه يمثل شخصية الشاعر النمطية في نظر الكثيرين من شعراء الحداثة المعاصرين، لأنه، كما يرى البعض، قد عاش حياة شاعر حقيقية، عاش بالشعر وللشعر، في مواقفه السياسية المعارضة الحادة، وفي ابتعاده عن التكسّب بشعره، وفي مجونه وهيامه بالمرأة والخمر والطبيعة، وفي تمرّده على مجتمعه وهجومه عليه متشبّهاً بالشعراء الصعاليك الرافضين. وهو في الآن نفسه شاعر هامٌّ مجدّد عاصر المجدّدين الكبار من أمثال أبي نواس وأبي تمام، واستطاع أن يبلغ قاماتهم العالية، بما قدمه للقصيدة العربية من إضافات هامة، تمكننا من اعتباره واحداً من أهم المجددين في العصر العباس بشهادة أقرانه ومعاصريه من الشعراء .
• إنه شاعر إشكالي يفصح عن الكثير من التناقض القائم على التضاد في مواقفه السياسية والفكرية والفنيّة والنفسية.
• وهو إنسان العصر العباسي الذي يعيش في المدينة بكل ما تنطوي عليه من أبعاد اجتماعية، ولكنه بوجهه الآخر شاعر متصعلك يرفض المدينة وقيمها الاجتماعية وينتهي شريداً طريداً في بساتين حمص. 
• وهو الشاعر الشاميّ الذي تمسك بالقصيدة العربية ونظم على منوالها، ولكنه هجم هجوماً عنيفاً على هيكلها، فدعا في شعره إلى تجاوز المقدمات الطللية ليكون صادقاً مع نفسه ومعاصراً لزمنه الذي ابتعد كثيراً عن حياة البداوة. 
• وهو العاشق المتيّم الذي قال في حبيبته ( ورد ) الكثير من شعر الغزل الرفيع، معبراً عن حبه الصادق للمرأة ممثّلة بورد.
• إنه الشاعر ديك الجن الحمصي، شاعر الشام .

سلمية في /3/4/2012
أ.حيدر حيدر
شكرا لتعليقك