في مواجهة تشكيل الطبقة المسحوقة
.......................................................................................
عملت الأزمة في سوريا وبقية الأقطار العربية على تغيير طبقي هائل حيث تدهورت أحوال العديد من الشرائح البورجوازيةبسبب تدمير ممتلكاتها الصناعية أو الإنتاجية أو بسبب الهجرة أو العطالة التي أحاقت بالبلاد أدى ذلك إلى انتقال العديد من الأثرياء إلى مصاف الطبقة الوسطى التي بدورها رشح منها الكثير إلى الطبقة الفقيرة
الأمر المؤلم أن الكثير من الفقراء تحولوا ايضا إلى الطبقة المسحوقة التي لا تملك شيئا إما بسبب العدم أو بسبب الهجرة أو حتى التشرد.
يمكن أن نسمي حالات الانتقال هذه بظاهرة الانزلاق أو التحدر الطبقي
إذ أن نشوء شريحة خطيرة هي شريحة محدثي النعمة من تجار الأزمة التي وصلت مستويات ثرائها وبزمن قياسي إلى أرقام فلكية يقابلها طبقيا ظهور طبقة المسحوقين التي لا تقل خطرا هي الأخرى، فإذا كانت الأولى تضم رؤوس الفساد وضروب التجار المنفلتين من أي ضابط أو قانون، وكذلك أصحاب المافيات الخفية فإن الثانية اي المسحوقة تمثل أدوات الأولى وتباعها ومنفذي خططها وأوامرها، فكونها طبقة مهمشة ومعدمة فهي تجد كبرياءها وقوتها في الالتصاق بالكبار الملوثين
ملامح هذه الطبقة أنها أولا تتشكل من أسر وأفراد يسكنون بالأجرة في مساكن متواضعة جدا كالعشوائيات وغيرها، أو أنهم يقطنون في مراكز إيواء أو خيام غير نظامية أو حتى في العراء
لا يملك هؤلاء لقمة عيشهم فهم إما عاطلون عن العمل أو يشتغلون بالعمالة الرخيصة بشكل يومي وحسب الطلب، وبالتالي يحصلون على قوتهم من خلال الإعانات والمساعدات الحكومية أو الخيرية
لا يتلقى المسحوقون الرعاية الصحية اللائقة أو التعليم الصحيح. وهم عرضة للاستغلال الإنساني والأخلاقي من قبل تجار الأزمة والبشر الخطرين، ويمكننا القول إنه مقابل عملية تشكيل ثروات محدثي تجار الأزمة جرى تشكيل الطبقة المسحوقة بشكل تلقائي، فثروات هؤلاء نمت أساسا من خلال استغلال الطبقة المسحوقة التي قد لا تتوانى عن فعل أي شيء للحفاظ على وجودها البيولوجي، مسقطة كل القيم والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع
فهي إذن مكملة وظيفيا لتجار الأزمة عديمة الضمير التي عمل أصحابها في كل شيء مشين وغير قانوني وغير إنساني: فمن الخطف إلى القتل إلى التعامل مع الإرهابيين والمتاجرة معهم إلى الاستيلاء على الممتلكات الخاصة إلى (التعفيش) وسرقة الأثاث إلى الدعارة وتجارة البشر إلى المخدرات والحبوب وتجارة الأسلحة والمتفجرات إلى التهريب والمتاجرة بالعملات الصعبة والتسلط على الناس
كل هذا كانت ضحيته الطبقة الوسطى والفقيرة الحامل الاجتماعي الأول والأخير للمجتمع باقتصاده وثقافته وقوته البشرية والإنسانية.
فبطريقة ما يراد تحويل الطبقتين العظيمتين إلى العدم، يراد تحويلهما إلى الطبقة المسحوقة المنعدمة ماديا والمنحدرة تعليميا والفارغة ثقافيا
وهو أمر جد خطير علينا جميعا أن نكافح كي لا يتحقق، فهو هدف استراتيجي لكل حاقد على هذه الأرض والشعب الذي عليها.
إن الوصف السلبي للطبقة المسحوقة هو وصف موضوعي ولا يقصد به الإهانة فهؤلاء جزء لا يتجزأ منا، وكل منا مسؤول اجتماعيا وماديا على قدر استطاعته لمناهضة ظاهرة التحدر الطبقي، مطالبين جميعا بمعاملة إنسانية يستحقها هؤلاء بالابتسامة بالكلمة الطيبة والعطاء المادي المتاح، مطالبين جميعا بالضغط على أصحاب القرار لرفع مستوى المعيشة لديهم ولدى عموم الشعب؛ ومن ناحية أخرى على الأسر المتحدرة طبقيا وكذلك الأفراد أن تدرك أن هبوطها المادي ليس بالضرورة أن يؤدي إلى انحدارها الأخلاقي والمعرفي فالجوع أهون من هدر الكرامة، والصبر على قليل القليل أفضل من بيع النفس وهدر القيم أمام شياطين العصر وحثالتهم
عليهم أن يدركوا أن البناء المعرفي والاكتساب المهني أفضل بكثير من الوصول السريع إلى بر أمان اقتصادي مزيف
للنهوض بالطبقة المسحوقة يجب على الحكومة تعميم وتفعيل البطاقة التموينية للأسر والأفراد ابتداء من كل العاطلين عن العمل لدى المسحوقة والفقيرة وتدرجا نحو آخر فرد في الوسطى
يجب أيضا إعادة الاعتبار للرقابة التموينية وتنشيط القروض الصغيرة بإشراف اقتصاديين مختصين عليها حتى لا تهدر في مشاريع خاسرة،
ومن ناحية أخرى يجب العمل على تدريب هذه الطبقة المنكوبة بإنشاء مراكز تدريب مهني وحرفي لا يشترط بها أي تحصيل علمي سوى القدرة على القراءة والكتابة
كذلك من الضروري تشجيع العمل الخيري وشبه التطوعي كونه يصب في مصلحة الطبقتين، فالحديث عن الخير والإنسانية إن لم يقترن بالعمل والعطاء أشبه بقرقعة فارغة لا طائل منها.
أخيرا وهو الأهم يجب استئصال الشريحة السامة والغامضة وأعني بها تجار ومافيا الأزمة، واكتشاف تقاطعاتها الحكومية والأمنية والمصرفية ومن ثم محاكمتها ومصادرة أموالها غير الشرعية وإنفاقها على المسحوقين في البلاد وعلى أبناء ضحايا وشهداء الأزمة، عندها فقط نكون قد تبينا الخيط الأبيض من الخيط الأسود وتلمسنا الفجر .
علي حسين الحموي

خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء