طاقتنا الروحية 1
.....................................................................................
طاقتنا الروحية، عبارة قد تمر بأسماعنا عابرة، فلا نعطي لها وزنا، وحقيقة الأمر فيها من الخير الكثير، فنحن لسنا كائنات مادية وحسب، بل أيضا أرواح ملهمة تتصل بواسطة قلوبها بالله تعالى القوة الإلهية المطلقة. فلكل إنسان طاقة روحية كهنها الارتباط بما هو خارج الواقع او حتى الوجود، والتعلق بما غاب عن بصرنا ورجته بصيرتنا.
طاقتنا الروحية برأيي المتواضع ليست مرتبطة بعلم النفس او التأويلات (الفرويدية) بل هي مرتبطة بحقيقة أننا لسنا فقط مادة، وأن أدمغتنا لم توجد لحل المسائل الرياضية والعلمية المعقدة فحسب،فهي الإثبات والدليل الدامغ على مدى ارتباطنا بالله جل جلاله قبلنا ذلك ام أبينا.
ليست طاقتنا الروحية فكرا أو عقيدة ولو أنها تتأثر بالفكر والعقيدة، والدليل على هذا أن الكثير من غير المؤمنين أو من الوثنيين لديهم طاقة روحية لا يستهان بها، وكأن النظام الروحي للإنسان حالة معممة على كل البشر تقوى بالحب والفضيلة والطهارة وتضعف بالكراهية والانحراف والفتور العاطفي تجاه الآخر الفرد أو المجتمع.
تقوى الطاقة الروحية لدى المؤمنين الصادقين من خلال تذكر الله وذكره ومن خلال المناجاة القلبية ومن خلال الصلاة والدعاء ومراقبة الذات أمامه، كما أنها تقوى لدى غير المؤمنين الصادقين منهم من خلال الحب العاطفي المنزه عن الشهوة، وكذلك من خلال محبة المجتمع والروح الثورية والرؤيا القلبية ومن خلال الأمل نفسه. مع الإشارة أن كل هذه تنطبق على المؤمنين الصادقين أيضا إنما تكون تحت المظلة الربانية.
يمكننا بواسطة مفهوم الطاقة الروحية أن نفسر كل الأشياء الغريبة التي تصادفنا او تصادف غيرنا أثناء الحياة، والتي يعزوها البعض من غير المؤمنين إلى الصدفة أو الطفرة أو الظواهر الخارقة أو (الكارما) أو اي شيء ما عدا الإقرار بالحبل السري الذي يربط الإنسان والكائنات الأخرى بموجدها وباريئها الله جل في علاه.
تتجلى القوة الإلهية في الإنسان من خلال وجود الإنسان نفسه ومن خلال أبسط النظم البيولوجية الذي يخضع لها الإنسان، لكن تتجلى أيضا عظمة الله في الإنسان من خلال تلك الظواهر التي نعدها غريبة، مثل حالة الحب المنزه والعميق بين شخصين، ومثل توقع الأحداث قبل حدوثها، والإشارات الربانية الملهمة والمثبتة، وكذلك التخاطر والرؤى(الأحلام) التي تتحقق مطابقة أو رمزا. تتجلى أيضا من خلال علاقة الأم بأبنها وعلاقة التواءم، وعلاقة القائد المخلص بأمته (غاندي نموذجا)
إن كل هذا يقربنا أكثر من القضية الإيمانية، ويجعلنا أكثر تقبلا وشغفا بفكرة النبوة، إذ لا تكمن العظمة في معجزات الأنبياء التي هي تجل لقوة الله تعالى، بل تكمن في كلمتهم المنبثقة من الوحي الإلهي ومن طاقتهم الروحية الكبيرة المستمدة من الله تعالى.
والأنبياء أيضا مخيرون في طريقهم، لهذا فإن عظمتهم تكمن أيضا في اختيارهم الطريق السليم في الحياة، وبالتالي فإن طاقتهم الروحية رهن بمدى عمق إيمانهم ومحبتهم لله وللناس. إن هذا يجعلهم يتدفقون بالطاقة الروحية العظيمة والملهمة، وكلما ترفع الإنسان -بما فيهم الانبياء عليهم الصلاة والسلام- عن غريزته البيولوجية المادية وحبه الأعمى للمال والمظاهر كلما ارتقت روحيته وتعمقت ثقافته ومعرفته، فيصبح مؤهلا أكثر للتحول بكليته الى طاقة روحية ثقافية معرفية تنقي وجودنا البشري من الشوائب والأوهام والغل، وهو الأمر الذي يرتقي بالمحصلة بإنسانيتنا المهددة في هذا العصر المدلهم.
وما كان للانبياء وللرجال الصالحين أن يتملكوا لطاقتهم الروحية لولا أنهم لم يستمدوها من الله تعالى وامتلؤا منها، فاستطاعوا أن يؤثروا على مجتمعهم وأن يمدوا الآخرين بطاقتهم، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يختلي بنفسه لمواصلة العبادة والتقرب من الله ونزول الوحي، وكل هذه الأمور أعطته قدرة روحية عالية نفذ من خلالها إلى قلوب الآخرين وعقولهم. وبطاقته الروحية هذه كان الرسول الأكرم يتغلب على غضبه وعلى الغل الموجود في كل نفس بشرية تأبى ما يناقضها ويعاكس هواها.
وفي الإنجيل الشريف ترد عبارة (امتلأ بالروح) أكثر من مرة سواء تلك المتعلقة بالرسول عيسى عليه الصلاة والسلام او بحوارييه، والمقصود بها الامتلاء من روح الله. ويرى بعض الآباء المسيحيين أن الامتلاء بالروح ضروري للنمو الروحي، وهو المعنى الأقوم، في حين يراه البعض طريقا لظهور الخوارق والمعجزات مستدلين بما ورد بالإنجيل نفسه :
"وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا"(سفر أعمال الرسل 2: 4) وهو المعنى ربما كان أقل أهمية، فالمعجزة لا تلفت إلا المشككين وإلا ضعاف الروح، ولو رأواالمعجزة بأعينهم لأولوها لعالم الدنيا.
وبذلك فإن الطاقة الروحية لا يمكن استمدادها إلا من الله تعالى الخالق، وأي بديل أو وساطة أو اي تدرج هي من باب الذي والتزييف والتوهيم بقصد المنفعة البشرية ماديا أو معنويا، فلا تستمد من اي مخلوق آخر سواء كان إنسان او ملائكة أو غير ذلك. فالمدد بأشكاله المختلفة ومنها المدد الروحي لا يطلب إلا من الله جل في علاه، وبهذا فإن إرتجاء غير الله سواء كان نبيا أو إماما أو رجلا صالحا، كل هذا ضربا من ضروب الجهل والانحراف عن الطريق القويم.
وننوه هنا أن بعض الكافرين من عبدة الشيطان يدعون حصولهم على الطاقة من الشيطان الرجيم بمسمياته المختلفة، وهؤلاء في وهم كبير، فهنا لابد أن نميز بين الإمتلاء بالروح وبين المشاعر العنيفة، لأن الامتلاء بالروح عماده محبة الله وتقديسه والانتماء إليه والتواصل معه بالقلب والفكر (الذكر) والصلاة وانعكاس كل هذا على محبة الناس والانخراط في قضاياهم، في حين أن المشاعر العنيفة التي تصيب بعض المهووسين أو المترنحين أو الذين على وشك فقدان الوعي بتأثيرات كيميائية أو موسيقية أو حركية ترتجي الانفعال والسكر ولو بلا خمر، وهؤلاء في نهاية الأمر يسيئون للناس والمجتمع بقصد أو دون قصد. فالروح وكل ما يتعلق بها شأن إلهي بحت، ولا سبيل إليها إلا بواسطة تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) سورة الإسراء
علي حسين الحموي
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء