كاتب_وكتاب_من_بلدي
أهمية النقد العلمي والشك المنهجي للنظريات الغربية.. لابتكار البديل العلمي الإنساني
.......................................................................................
جاء في كتاب: علم النفس في القرن العشرين، د.بدر الدين عامود، دراسة، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، سوريا، ج1، 2001م، ص12-13، (بتصرف).
إن مرحلة النضج والعطاء عند الإنسان عامة، والباحث خاصّة، ما هي إلا نتاج التفاعل والتواصل الاجتماعيين وثمرة من ثمار التربية بأوسع معاني هذه الكلمة عبر المراحل العمرية السابقة، ومهما حاول بعض العلماء تجاهل أو تجاوز كنه هذه العلاقة واتجاهها، فإن المعاينة الدقيقة تكشف عن وجود بصمات الوعي الاجتماعي والوسط الثقافي الفلسفي على مجمل نشاطهم كمظهر من مظاهر الوعي الإنساني.
وهذا ما اعترف به البريطاني برترند راسل حين قال: "إن كل الحيوانات سلكت سلوكاً يتفق مع الفلسفة التي يعتنقها الشخص الملاحظ قبل أن يبدأ ملاحظاته، بل وأكثر من ذلك، فإنَّ هذه الحيوانات قد أوضحت الخصائص القومية لصاحب الملاحظة، فالحيوانات التي قام الأمريكيون بإجراء الدراسات عليها تندفع في حالة من الهياج وبنشاط واستثارة واضحة غير عادية، وفي النهاية تصل إلى النتيجة المنشودة عن طريق الصدفة، أما الحيوانات التي قام الألمان بملاحظتها فتقف ساكنة وتفكّر، وفي النهاية تصل إلى الحل الذي يكون بعيداً عن شعورها الداخلي".
ومن الهام جداً، ونحن بصدد الحديث عن علم النفس وتاريخه، ضرورة العودة والبحث والنقد للفلسفات التي كانت المنطلقات النظرية لعلماء النفس على اختلاف نزعاتهم، للوقوف على دورها الكبير في نشاطهم العلمي والنتائج التي توصلوا إليها.. ومن غير هذا الإجراء، وما لم توضع النظرية في سياقها التاريخي الفكري الفلسفي تظلّ في الكثير من جوانبها ومفاهيمها مجردة بصورة ما، ويتحول التأريخ لها إلى مجرد وصف أقرب للتصوير والتوصيف الإنشائي منه إلى العلم.
ومن المفيد مثلاً أن نسوق مثالاً لا يقلّ أهميّة من حيث قيمته التعبيرية وقدرته على إبراز العلاقة المذكورة عمّا قاله راسل، فقد كرّس أصحاب "علم النفس الأنثروبولوجي" نشاطهم لخدمة النظرية العرقية النازية، فوجد الألماني آرنولد في كتابه "البنى السيكوفيزيائية عند الدجاج" أن سلوك الدجاج الذي ينتمي إلى المناطق الجنوبية من الكرة الأرضية يغلب عليه الخضوع السريع للدجاج الشمالي الذي يظهر على سلوكه الميل إلى التفوق وحب السيطرة والرغبة في إخضاع الأنواع الأخرى من الدجاج لسلطته، ويقول زميله ومواطنه ينيش بوجود خصائص عرقية موروثة عند الكائنات الحية تجعل من تفوّق بعضها على البعض الآخر أمراً حتمياً وطبيعياً.
إن هذه الأحكام السخيفة لا تحتاج إلى تعليق، فهي، أياً كانت الزاوية التي يُنظر إليها من خلالها، تبرز بجلاء آثار المنطلقات النظرية للباحث النفسي على تفسيره لمظاهر السلوك المختلفة..
كما تؤكد على ضرورة وضع الواقعة العلمية النفسية، مهما كان حجمها وامتدادها، في مسارها الصحيح، ودراستها وفق النسق الثقافي الفلسفي الاجتماعي ..
منقول_بتصرف
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء