pregnancy

وصل الروح بقلم الأستاذ علي الحموي







وصل الروح
.......................................................................................

إذا كان الوصال هو شفاء القلوب العاشقة، فماذا عن الروح المعاتبة للزمان وللأمكنة التي تحيط بنا؛ حين تلامس الجدران بأطراف اصابعنا ونحن سائرون في هذه الدنيا، ثمة شعور بالاخفاق رغم النجاح ورغم الفرح، وثم عدم رضى عن الذات، وقسط من الخيبة تختبئ خلف كل ضحكة أو ابتسامة صادقة، وآخرين يزرعون طريق العمر جيئة وذهابا وهم يبحثون عن شيء ما ينقصهم؛ ربما يظنوه الغرام أو الحرية أو الشهرة.
كثيرا ما تتحول الحسرات والآهات على مفقود الذات إلى صرخة كبرى أو بكاء حار أو حتى غضب.
أما العدميون والحزانى الذين اضاعوا الصلة، فتمكن اليأس من أرواحهم يصبحون بحضورهم الهاديء مكرهين على الحياة، وتصير كلماتهم دعوة للنهاية أو رجاء للموت بالقدوم على حين غرة، أو رغبة بالانتحار.

كلمات أخرى تفصح عن هذيان انساني مرير أو خيبة كبرى من عالم  لم نتوقعه، أو سقوط آمالنا الملونة، أو أننا خربناه حقا ولم يعد بمقدورنا إصلاحه.
لم يعد بمقدورنا إلا الانكسار .
هذه اللحظة العاتية من الكآبة التي تحمل كل شيء من الأحلام والتوقعات تصبح هي اللاشيء عينه، حين يدعو هؤلاء الحياة نفسها بالجريمة، أو الغلطة التي لا تغتفر، وأن كل ما يجهده الإنسان فيها ليس إلا تكفيرا عن ولادته، واسفا عن لاوجوده قبل الوجود.

اللامنتمون هم أيضا يسرحون بافكارهم الداكنة نحو بحور من الإمتلاء سرعان ما تفضي إلى الفراغ الشديد، وهم يتحدثون عن أرواحهم مع أنهم ينكرونها علميا، وقلة قليلة تقفز إلى الطرف الآخر  فهم يرفضون خلو الوجود من إله، لكنهم يختارون طريقا آخر وهي عبادة الشيطان، فيمجدونه كما يمجد الله، وكانوا قبلها يلومون الناس على تبعيتهم وتخلفهم وتعبدهم. 

كل هذا لا يفسر إلا بضياع الضمير الإنساني عن مقبسه الأصيل وهو الله.
كل هذا الفرح المزيف واللذات العابرة والقهقهات المجوفة لا تغني عن نعمة الرب.
فكل هاجر منقطع عن الله تعالى هو ضائع لا ريب، أو مشروع ضائع بمقدمات ساخرة أو زخرف علمي أو زركشة فلسفية.
بداية الضياع أو الفقد غضب أو يأس من روح الله؛ أو أنه صدق ما تدعي أيدي القتلة الذين صادروا  اسم الله فأصبح الله رمزا للسخط والغضب والنقمة. 
وبعضهم أودت به تقنية العلم فعبر الحد الفاصل بين الثقة والعبث.
العبث سرعان ما يتحول إلى شعور بالعدمية والخواء وبوابة مدرجة لبهو المتعة؛ شعور لا يمكن تعويضه بالنجاح ولا باللقاءات الاجتماعية ولا الشهرة أو الثروة أو حب الذات.
وحدها العائلة يمكن أن تخفف من هذا الخواء القاتل؛ ثم نتذكر أليست هي وصية الله وهديته ... العائلة 
إلا يقاتل الشياطين والعبثيون والعدميون لافناءها وتفكيكها ...
والآن يريدون الف دليل ودليل عن وجود الله وهم يلوحون بالف برهان وبرهان عن عدم وجوده؛ لا داع لكل هذا فالقلوب تخفق به وله، شاءت أم أبت. 
القلوب المؤمنة مليئة واثقة رغم القهر والتعب، والقلوب الناكرة خاوية غاضبة رغم المتع.
الأرواح التي تتدفق إلى بارءها تدرك أن من يشوهون اسم الله ليسوا منه ولا يعرفوه البتة، يعرفون هذا بقلوبهم قبل عقولهم لأن أرواحهم موصولة به. والمنقطعون عنه (وهم أحوج الناس اليه) يريدون حجة وبرهانا لكل أنملة ...

ولهذا فإن فاتحة الأسرار -كيما نستدرج الصباحات إلينا- هي أن نعيد ذواتنا إلى مقبسنا الأول ...
الى الله تعالى
معه فقط
تنير قلوبنا مرة أخرى بمحبة غامرة أبدية 
معه وحده يتحقق ... وصل الروح

علي حسين الحموي 
شكرا لتعليقك