رحلة العقل البشري
.......................................................................................
ذكرت أبحاث حديثة أن الرحلة الأولى للإنسان العاقل (هومو سابينس-homo sapiens) من أفريقيا كانت قبل نحو 100 ألف عام وباتجاه الشرق الأوسط وحدث هناك أول تزاوج داخلي بين النوع البشري (هومو سابينس) وإنسان النياندرتال ليظهر جدّ الإنسان الحالي على سطح هذا الكوكب والذي يسمّى بالإنسان الناطق أو الإنسان العاقل العاقل.
إن هذا الإنسان عبر تاريخه استخدم العقل في فهمه لظواهر الطبيعة والعقل لغةً هو الربط،إذاً فهذا الإنسان منذ ظهوره عمل على ربط ظواهر الطبيعة بأسباب تتناسب ماهيتها مع وعيه لما حوله ومع الإمكانات التي يمتلكها والتي ستتعاظم كماً ونوعاً مع مرور الأزمان.
في البداية كان العقل الديني وفي هذه المرحلة ربط الإنسان الظواهر الطبيعية بآلهة مسؤولة عنها كإله الرياح وهو المسؤول عن تسييرها وإله المطر وهو المسؤول عن إنزاله وإله الشمس وهو المسؤول عن ضبط رحلتها عبر الفلك وهلمّ جرّاً.
بعدها أتى العقل الفلسفي وهذا العقل امتلكه الإنسان بعد كسره للقفص الذي يضمّ العقل الديني فوجد نفسه في قفص عقليّ جديد لكنّه أرحب وأوسع من سابقه والفلسفة تعتمد التجريد والتأمل في تحليل الظواهر وتفسيرها ولعلّ أبرز الفلسفات هي الفلسفة الإغريقية ومن أبرز روادها كان أرسطو الملقّب بالمعلم الأول وقد وضع للتفكير العقلاني المنطقي أسساً وثوابت ما تزال تحكمه إلى يومنا هذا وهي الحتمية والغائية والسببية ومبدأ الهوية والثالث المرفوع وعدم اجتماع النقيضين.
أمّا الفلسفة الإسلامية فكان لها روادها وعلى رأسهم الفارابي وإخوان الصفا وابن سينا والغزالي وابن رشد والذين أضافوا الكثير في مضامير التفكير والتحليل والاستنباط والاستدلال وانتقل نتاجهم إلى أوروبا التي بدأت نهضتها في القرن الثالث عشر ودخلت في القرن الخامس عشر عصر التنوير وطوّرت مفاهيم الفلسفة لتنتقل بالبشرية إلى العقل العلمي الذي يستند بالدرجة الاولى للتجربة والملاحظة إضافة للبحث والاستقصاء.
والعقل العلمي هو أيضاً قفص يسرح في رحابه التفكير البشري لكنه بلا شك أوسع من سابقيه أي العقلين الديني والفلسفي.
خلاصة القضية هي أن هذا العقل يسعى دائماً للتحرر والانطلاق نحو عوالم أوسع لتستطيع استيعابه لكنّه في كلّ مرة يتحرر يصحو ليجد أنه ما زال عالقاً في قيود تحثّه على المطالبة بحريته التي لن يكفّ عن المطالبة بها لأنه لا يؤمن بحدود تحدّه لا زمانياً ولا مكانياً ولا معرفياً.
بقلم
د.باسل الشيخ ياسين
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء