pregnancy

من الذاكرة ..فردة حذاء..بقلم أ.حسان الشيحاوي





من الذاكرة.
فردة الحذاء.        
.......................................................................................

لم أدرك حينها سبب الأرق والوهن العام الذي أصابني فظننت أن الأمر مرٙضيٌ وهذا ما نفاه لي الطبيب
.ولم أدرك أيضاً: لماذا كانت أمي تمطرني بمحاضرات عن الشرف والكرامة كلما توقفتُ أتأمل شكلي أمام المرآة. وإن وضعت عطراً على ثيابي. فكانت توحي لي بضرورة التخلي عن الألعاب اللمسِّية مع الفتيات اللواتي كنت ألعب معهنّ قبيل عام دون أن تُفصح لي عن السبب. حتى لو كنّٙ من القريبات أو الجارات بما فيهم زميلتي منذ المرحلة الابتدائية والأقرب الى قلبي خديجة. وكأنني صرت أجرباً وأنقل لهنّٙ العدوى.
وزاد في الطينة بلّة تأكيد أختي وصديقتي التي تكبرني بعام فقط فصارت مجدداً تتمنى عليّٙ أسفةً أن أنسحب بأدب إذا حصل واجتمعت بأحداهن صدفة كي لا أتسبب لها أو لهُّن بالإحراج او الأذى
وصار وجودي بين الكبار يحد من حرية الحديث بالمسائل العاطفية فكانوا يلجأون إلى الإلغاز  وهذا الأمر وسواه كان يثير فضولي ويدفعني لمعرفة ما خفي عني لأن كل محجوب مرغوب فيصبح الإشتهاء الضمني والتمني هو الذي يسيطر على المخيلة ويدفع باتجاه البحث عن وسائل سرية وابتكار أساليب تمويه وتورية لإرضاء الدافع الغريزي النشط في ظل قفز الأهل والمدرسة عن الحديث في الأمور العاطفية ليصبح الأمر متروكاً لأولاد الشوارع وما يتسرب من خبرتهم وإلى الإجتهاد الشخصي في قراءة ومشاهدة المنوعات.
ونشعر بالخجل والإرتباك والخوف ونخبيء رؤوسنا كا القنافد إن عُرِض على الشاشة مشهدا لقبلة عاطفية بحضور الأكبر سناً.
كان طيف خديجة يلاحقني دوماً كظلي. وبات لقائنا منفردين عيباً وحراماً
فصرنا كغريبين نتواصل بالأحداق.
أو بقصاصة ورق توضع بخفة بمكان ما. أو تسلم بالسر كما حصل وتناولت منها الورقة خلسة وقرأتها عشرين مرة وشممتها أكثر من ذلك.واعلمتني فيها بانه بامكاننا أن نلتقي سراً في بيتهم  بتوقيت بعد السحور. ويكون كل أهلها نيام إلا هي تكون انتظاري. .
يا الهي.. أنه اقتراح رائع
فكم تحبي إذاً. وتغامر كي تراني ؟
لن اكون جباباً.
ولن أخذلها بي
ولكن ماذا لو كُشف الأمر...وعرف أبي أو أبيها؟
فنحن مازلنا صغاراً فلم يوافقا على زواجنا..
 فهل سيعاقبني الله ايضاً ؟
هل أعتذر منها ونفكر بالموضوع أكثر.ماذا ستقول عني  جبان ام لايحبني كما أحبه. 
سأذهب وليكن الطوفان.
كانت الساعة الأخيرة قبل اللقاء طويلة جداً وكأن أحداً كان يشد عقاربها إلى الخلف. فانطلقت بمزيجٍ من الخوف والتوتر والرغبة تحت جنح الظلام.أحبس انفاسي وأمشي بحذر صياد وبخفة غزال..
كان الباب نصف مفتوح وبدت خديجة تتلطى خلفة وتمط رأسها خارج الباب كذئبه متحفزة
فاستعجلتني بالدخول وتمتمت في أذني بأن الكل نيام. وتنهدت بقوة وأبعدتني الى الداخل قليلاً دون أن نقفل الباب تحفزاً لأي طارئ. فابتسمت وزاورتني وهي تقول: أنا سعيدة برؤيتك الآن. فأهلا وسهلاً
كان السكون هو العنصر الطاغي على المكان وكان الجو شاعرياً يفوح بعطر الصباح ورائحة الورود. وعيناي كانتا قلقتان تتفحصان كل ما حولنا بدقة رادار. فتأملتها والدهشة تجتاحني. كانت تلبس قميص نوم محتشم بلون البرتقال وتركت شعرها الذي كان معقودا بضفيرتين ينسدل على كتفيها كشلال. وعيناها كانتا تشعان ببريق عجيب. وتنهدت برفق وقالت الآن نستطيع أن نتكلم على راحتنا.فاستغرقنا بالحديث عن الشوق واللهفة وشعرت بالغبطة وأمني نفسي بلحظة غرام كأبطال الشاشات الصغيرة والكبيرة دون أعرف كيف أبدأ. وفجأة دوى صوت طلقه على مقربة منا لم نعرف مصدره لتلاصق الأببنية وتوقعت بانه خرج من بارودة صيد. وتبعه ضجة مشوشه في الحال فخرجت من الباب مذعوراً بسرعة أرنب فانلفتت فردة من حذائي ولم يسعفني الوقت بالرجوع اليها لظني بأن هناك من يلاحقني. ولما وصلت إلى بيتنا اتنفس الصعداء التفتُّ حولي ودخلت خلسة وأويت الى فراشي وفي سري أقول مسكينة خديجة ..
فكيف هي الآن..؟
من هذا اللعين الذي أطلق النار ولماذا؟ أتوقع ان  الصوت خرطوشة بارودة صيد وليس رصاصة مسدس.
هل كان أحداً يراقبنا فاستهدفنا ليقتلنا؟ أم ليخيفنا..؟
أم ان هناك احتمالات أخرى.؟هل أذهب إلى مدرستي هذا الصباح..؟
.ماذا لو سألت عني الشرطة واقتادوني أمام زملائي. سينفخر دماغي قبل ان اصل الى السجن. 
هل أهرب.ام أصارح أمي ..؟
لا لا مستحيل.. 
سأخفي الفردة الأخرى من باب الإحتياط وأتظاهر بأنني مريض أتقيء لكي لا أذهب الى المدرسة.
وتواريت تحت اللحاف أفكر بمخرج لورطتي وأتوقع قدوم الشرطة باي لحظو أو أحد أخر ومعة الفردة الاخرى دليل إدانتي .كان الوقت ثقيلا وأنا اتقلب على جمر الخوف فظنت أمي ان البرد هو السبب لأن البرد سبباً لكل علة وتركتني كي أنام لارتاح.
قرع جرس الباب..
ياالهي من يكون
لقد هبط قلبي وصرت أرتجف كمحموم ولم اهدأ حتى عرفت أنه زميلي جاء يتفقدني فتظاهرت أمامه بالمرض وأمطرته باسئلتي
فاستنتجت بأن الأمور لاتوشي بالخطر ..
فهل انتهى كل شيء..؟ كنت اسأل نفسي..وأجيب لا أظن ذلك فلن يهدأ لي بال قبل أن أطمئن على خديجة بأنها بخير ولم يمسها سوء.
فخرجت من البيت أترقب عيون المارة ليطمئن بالي وأتصنع بعد كل عدة خطوات بأنني أنفض الأتربة عن بنطالي لأطيل النظر عن بعد باتجاه بيت خديجة. وأحوم حول مكان جريمتي مثل اي مجرم أولص.
وفجأة لاحت لي فردة حذائي مقلوبة على مٙكب القمامة وبقربها قطة مضرجة بدمائها. وبقايا من طير حمامٍ مأكول .!!

أ.حسان الشيحاوي 
شكرا لتعليقك