من الذاكرة.
المتخفي.
.......................................................................................
لم تستطع أمي إقناع أبي بالعدول عن رأية بتكليفي للذهاب إلى البلدة من مزرعتنا التي تبعد عنها اثني عشر كيلو ميتراً .لخوفها من أن أتعرض لمكروهٍ في الظلام. على طريقٍ ترابي يتوقف السير عليه بعد غروب الشمس إضافة لصغر سني آنذاك. كان ذلك أواخر سبعنات القرن الماضي .وفي إحدى ليالي شهر تموز .
بينما كان أبي يفكر بطريقة أخرى. لقناعته بأن الرجولة صناعة .ويريد أن يصنع مني رجلاً أعينه في أعماله. وهذا لم يكن ممكناً دون وجود روحٍ للمغامرة. لأن الحياة برأيه لم تكن يوماً داراً لإيواء الكسالى والعاجزين.
فامتطيت الدراجة النارية( sh-L ) كا الرجال وانطلقت الى البلدة متجاوزاً بسرعتي الخوف المستوطن في صدري من رواسب روايات الرعب وقصص تلك الأيام عن الجن والسحر والإفتراس.
والرعب الذي كانت تسببه كلاب الرعيان المنزوعة الأربطة ليلاً فيلاحقون العابرين ومن الممكن أن يُلحقوا بهم الأذى دون أن يكون لأحد حق الرد أو الإعتراض.
وفي طريق العودة أخترقت ستار الظلام بضوء دراجتي كاشفاً معالم الطريق الذي يتوسط المزروعات وتعترضه بين الفينة والأخرى الأرانب والثعالب.
وفجأة وقع ضوء دراجتي على بدويٍ يمد لي عصاه.<
فوقفت له وقبلت أن أُقِلّه ماتيسر من الطريق . فركب خلفي وهو يشكرني باللهجة البدويه. فخففت من سرعتي قليلاً.
كان النسيم عليلاً يحمل معة شيئاً من الرطوبة لمروره فوق حقول القطن المروية وهو يلامس وجهي. وبدت النجوم البعيدة تتلألأ وتتراقص في قبة السماء.
وكما جرت العادة أن يكون الكلام عن الطقس مدخلاً مقبولاً لتحريك دفة الحديث في اللقاء الأول مع الغرباء.
فقلت : الطقس جميل
قال: لمرتاحي البال فقط.
وبلمح البصر تجاوزنا أرنباً فقطع حديثنا وتابع قفزه أمام ضوء دراجتي . وبسرعة مذهلة وبدون سابق إنذار. أطلق البدوي بالقرب من أذني رشقة رصاصات من مسدسه الحربي. فهوى الأرنب أرضاً في الحال وصار يتخبط بدمه فطلب مني الوقوف كي نأخذة فوضعة في كيسٍ كان معة. وأعقب إطلاق الرصاص في الحال. نباح الكلاب واستيقاظ نواطير البيادر والكروم والرعيان فارتفع فتيل الفوانيس وانتشرت الاضواء المتناثرة.هنا وهناك.
فقلت: باغتني وشغلت الناس سامحك الله يارجل : قل لي بأنك ستطلق النار فقال: (في الكنيص( الصيد)تضيع الطريدة إن تأخر قدح الزناد..وضحك ضحكة رنانة بزهوٍ وغرور.
وقال تنشيني رائحة البارود.فمد يدة إلى أمام وجهي وقال:
ما رأيك بهذا المسدس. إنه ستاندر عيار ٩مم..؟
قلت ستنادر نوع ممتاز دون أن أعرف ماذاتعني كلمة ستاندر..
قال: مارايك أن أنتزع منك دراجتك به..؟
.قلت: لا أظنك تخذل من اكرمك وأقلّٙك خلفه عن طيب خاطر..
قال: لم تكن أول مره ولا آخر مرة يُسلب فيها مُغفل كانت كل الجهات مسدودة أمامي بسواد الليل
فتمنيت لو يمر بنا أحد. وفكرت أن أصرخ وأصيح فتحاملت على نفسي لان المسافة كانت تقترب من بيتنا.
فقلت :إياك أن تضطرني أن أتصرف بحماقة تودي بحياتي وحياتك.
.فقال ضاحكاً لاتستطيع. أطوقك بذراعيّٙ .
فقلت دعك من الهذار يا رجل فذاك الضوء الذي تراه أمامنا هو في بيتنا..
وأتمنى عليك إن كان مسيارك بعيداً أن تبقى في ضيافتنا الليلة.وبعدها كما يقولون -( الصباح رباح ).
فضحك باعلى صوته وقال: باللهجة المحليه(نزلني هون ..
وخود الأرنب. وبنصحك لا ترّٙكب حدا وراك بالليل واستسماني فادركت بأنه يعرفني.فاشرق شعور الأمان في نفسي.
فشكرني الرجل بحرارة واردف الشكر بالإعتزار الشديد. ودخل في الظلام .وتركني في حالة لا أحسد عليها. وصلت بيتنا مذعوراً .وترددت في إعلام والديّٙ بماجرى كي لايمنعاني من قيادة الدراجةلاحقاً. .ولكي أبدد شكهم بخوفي الظاهر للعيان قلت لهم لقد طاردني قطيع من كلاب الرعيان.فاسرعت حتى لا ينالو مني. وقتها قال لي والدي( عفيه السبع) لكن في المرات اللاحقه خفف من السرعة ان طاردوك الكلاب ولا تخف. لأن الكلاب تشم رائحة اجسام الخائفين وتظنهم لصوصاً ان هربوا فتصر على اللحاق بهم.
وفي ليل أحد الأيام اقتحم وحدتي في محلنا شاب وسيم مطارد من قبل الشرطة وذاع صيته في البلدة بأنه قوي ورشيق نجى من اشتباكات وكمائن الشرطه أكثر من مره فتحول إلى رجل اسطوري يظهر ويغيب بخفة كشبح فأنا أعرفه ويعرفني جيداً
فاستدرجني ممازحاً بحديث ليجرني كي أحكي له عن الشاب الذي انتحل صفة البدوي باللهجة واللباس .ليبعد عنه الشبهات.
فتأكدت بأنه هو الذي انتحل صفة البدوي الذي رمى كرة الخوف في شباكي.
فتظاهرت بالمعرفة ورباطة الجأش وقلت:
(انشا الله مفكر انك خوفتني.
وانا ماعرفتك).؟
فضحك بأعلى صوته وقال: متهكماً.
.لا.. لا..موعيب .ليش انت بتخاف..؟
بس مدري ليش كنت عم بسمع دقات قلبك من ظهرك مثل دقات متور اللستر وغمز بإحدى عينيه وانسل خارجاًمن الباب...!!
أ.حسان الشيحاوي
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء