...من الذاكرة..
(باجي).
.......................................................................................
هو الأسم الذي اخترته لكلبي الذي كان بين كومة الجراء الراقدين الملتفين حول بعضهم البعض. حينما كانوا على زهرة الحليب. فتٙبنيتُه وهو رضيع. فكبر وترعرع بين أولادي.وبات لهم لعبة اللهو والتسالي. كان يتدحرج أمامنا ويستلقي على ظهره كاشفاً عن بطنه وهو يضحك عندما يشعر بالشبع. فتحول لأنيس وحدتي في ظلمة الليل ومرافقي الدائم في المزرعه. فكان يهرع لملاقاتي فور سمعاعه صوت دراجتي النارية ويقوم بحركات ترحيب استعراضيه ويحاول أن يلعق أصابعي ويشم رائحتي وهو يهز ذيله ويدور حولي..
كان باجي يقف بشكل شامخ أمام كل من يحبهم وكان يمد يده للمصافحة والسلام تعبيراً عن الشكر والإمتنان وفي إحدى الليالي لم أستطع النوم لأني نسيته من دون طعام فذهبت إلى المزرعة ومعي بعض الزاد .فاندفع نحوي يداورني من كل الإتجاهات وأنا أداعبه وأدور معه فارفع له كيس الطعام وأخفضه لينال بعضه بشطارة وبعدها أبقيه عاليا كي يقف على رجليه ويستند على صدري كي أطعمه بيدي وأربت على ظهره وأمرِّر براحة يدي على رأسه والرقبه.كالعاده.
.فأمضيناً معاً بعض الوقت وبفرط من السعادة والسرور..
ولما غادرت جرى خلفي لوداعي موازيا دراجتي الناريه فأسرعت أكثر كي يتركني ويعود الى المزرعه فلم يفعل فتجاوزته بسرعتي لما رايت بالمرآة ضوء سيارة يقترب مني وباجي على طريق الاوتستراد يركض يمينا وشمالاً خلفي فمرت قاطرة بسرعة البرق وسمعت في الحال صوت عواء استغاثه فرجعت فوراً وإذ به يزحف على يديه ويشحط رجليه لأن السياره العابره كانت قد دهسته وبدت إصابته تفوق قدرتي في علاجه. وحينها لم يكن في البلدة طبيب يقبل بمعالجة كلب.لأن الكلاب بالذات كانت مستهدفة من قبل شرطة البلديات فكانوا يقتلونها بالسم أو بالرصاص إن وجدت شاردة خارج أماكن الحراسة..
.فحملته بدرايه ووضعته تحت شجره خارج الطريق وبقيت معه لبعض الوقت يلاحقني الندم والشعور بالذنب بأنني مسبب لما جرى له
وتمنيت لو أنني لم أذهب لإطعامه ليلاً. لأن جوع يوم واحد اسهل من هذه المصيبة.التي اختلفت حولها أراء كل من أخبرتهم.
فمنهم من قال ساخراً :افترض إنه مات فيكون (كلب وفطس)
دون أن يعرف أو يجرب أن يربي حيوان ليدرك الفارق الشعوري بين من يرى الحيوان وبين من يربيه ويتعلق به.
وآخر قال : لا تحزن فقد تكون أنت سبباً إيجابياً بخلاصه من ثوب الكلب وانتقال روحه لجسد كائن أرقى من الكلب.
دون أن يدري هو الآخر بأن كل مخلوق قد يظن بأن بنوعه قمة الجمال والكمال. على مبدأ القرد بعين أمه غزااال..
وآخرقال: عجبت بك يارجل...
تخشى على كلب من الموت وفي كل يوم يموت المئات من البشر دهساً او غرقاً او حرقاً او رميا بالرصاص الطائش او في المشافي والسجون..
أومن قلة الرعاية والاهتمام.
.دون أن يدري بأن لي قناعة راسخه بأن كل المخلوقات لها حق العيش بأمان وسلام.وبأن هناك حكمة ربانيه لوجود الأنواع المختلفه..
ويتوقع البعض بأن للنبات روح ويدلل على ذلك بأن بازدياد نموه عند سماعة الموسيقى..
فأدخلوني في نفق من التفكير دون أن أهتدي على مخرج يهدء من توتري وانفعالي.
وفي اليوم الثاني عدت ومعي الزاد والماء الى مكان باجي. فلم أجد مكانه سوى بقعة دم وبعدها نقاط نازفه فتابعت أثرها فأوصلتني الى مزرعتي وتفاجئت بوجوده تحت سريري في ظل الغرفه من الخارج فسحبته من ذيلة ورفعته للأعلى بكل قوتي فتطايرت عنه أسراب الذباب التي تجمت على رائحة الدم. فدفعته إلى الأمام كا العربة الرومانيه كي يمشي على يديه ورجليه تلوحان في الهواء حتي أبعدته عن السكن ووضعته في ظل شجرة وبقربه الماء والطعام وغطيته بقميص العمل لحماية الجرح من الذباب فلم يكترس صديقي بالأكل والشرب والغطاء من شدة الألم. وبقي محدقاً بي فأدرك كلانا بلغة العيون أننا إذاء وضع خطير. وبات تواصلنا بالنظرات من شدة الحزن ووحدها العين باتت نافذة الإتصال التي تشي بآلام النفس وتُترجم سر مايدور تحت سقف الجمجمة. فبقي محدقاً بي وكأنه يتوسلني أن أفعل شيئاً لإنقاذه. وأنا من داخلي كنت أتقطع ألماً عليه. لأن رجليه والحوض هُرِستوا بالكامل ولا يوجد ذرة أمل لشفائه وعودتة للمشي.
فتمنيت لو كان بإمكاني إطلاق رصاصة الرحمة على راسه ليرتاح من الألم. وهذا كان عليّٙ أبعد من المُحال.
فأقفيت عنه مودعاً وتركته في الفضاء الواسع برعاية الله لأن لدي التزام وظيفي وتأخرت هن الدوام. ولما نظرت خلفي وعينيّ مغرورقه بدموعي كانت عيناه باقيتان معلقتان بي.
فسحبت عيناي لأرميهما بعيداً عن عينيه لأن نظراته كانت تخترقني وكأنما كان يريد أن يذكرني بألأيام التي كان قادراً بها على حراسة المزرعةوعلى إسعادي واللعب معي ومع أولادي وبجهدٍ جهيد حرك رقبته ورفع رأسه.
وهو مبلل بدمة يلفظ انفاسه الاخيره وليس له لحد على العواء
وكأنه أراد ان يقول:
حتى أنت يامحترم..؟!!
لو كنت مكاني لما تخليت عنك .!!؟؟
حسان الشيحاوي
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء