رسالة إلى الفيلسوف والمفكر العربي الإسلامي ابن رشد.
د. عدنان العويد (سوريا)
......................................................................................
بسم الله الرحمن الرحيم.
أما بعد :
إلى السيد أبي الوليد, محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد, الطبيب والفقيه والقاضي والفلكي والفيزيائي والفيلسوف المحترم.
يحزنني جداً يا سيدي أن أخبرك عن أحوالنا اليوم نحن من حباه الله بحب المعرفة وحاول السير على الطريق الذي سرت عليه, وعن أحول هذه الأمة التي فقدت بوصلة العقل, وراح أبناؤها يقتلون ويعذبون ويشردون بعضهم, ويدمرن ويسرقون ممتلكات بعضهم, بإسم الدين, والدين منهم براء.
نحن نعرف يا سيدي كل تلك الصعاب والعذابات التي عشتها بسبب أفكارك التنويرية التي أردت من خلالها أن تقول لجهلة عصرك ولأصحاب العقول المغلقة, لا توصلوا أبناء هذه الأمة إلى ما وصلت إليه اليوم في عصرنا باسم الدين وشهوة السلطة, وبأن الدين الذي يريده الله لنا, والذي علينا أن نؤمن به, لا يتفق مع ما تفكرون به, وما تقومون به من تفسير وتأويل نصوصه المقدسة خدمة لمصالحكم ومصالح أسيادكم أو من اشترى ضمائركم بقليل من فتاة الحياة.
نعم يا سيدي لقد أثرت حفيظة وجهل من عاصرك من (طلاب المال والجاه) وخاصة تجار الدين.. لقد أثرتهم عندما قلت : (البحث عن المعرفة هي أشرف المهن, والمعرفة هي عبادة للخالق. ). أو عندما قلت : (اللحية لا تصنع الفيلسوف). أو عندما قلت : (أكبر عدو للإسلام جاهل يكفر الناس). إن هذه الآراء وغيرها الكثير التي قلت بها في زمن الاستبداد وما يحيط به من جهلاء الدين ومطبلي السلطان قد دفعتهم لاتهامك بالخروج أو المروق على الدين الذي يريدونه هم, فحرقوا كتبك, فكنت أكبر منهم, ولم تعلن غضبك لأن الفكر عندك كالريح بعد أن تنطلق ستجد الكثير من النوافذ التي تدخل منها إلى عقول الآخرين .. نعم ياسيدي لم يبكيك حرق كتبك كما أبكت (خادمك) فقلت له: إن كنت تبكي على الفكر الذي في الكتب, فللفكر أجنحة توصله إلى أصحابه.. ولكن إن كنت تبكي على هذه الأمة الجاهلة فو الله لو ذرفت كل مياه البحار لن تكفيك دموعا على جهلها.
نعم يا سيدي .. لقد عبر فكرك إلى مريديه. فتلقفه الغرب الذي أسس عليه موقفه الفكري العقلاني في أمور الدين والدنيا وحقق نهضته وتقدمه. حيث تركت مدرستك التي سميت بـ (الرشدية), تأثيرًا قويًا على رجال دين مسيحيين ويهود, مثل توما الأكويني وموسى بن ميمون، كما بقيت مرجعًا لجامعات أوروبا ومدرسيها حتى أواخر القرن السادس عشر. لقد سمي الأوربيون كويكب "ابن رشد "تيمنًا باسمك. وورد اسمك في قسم الجحيم من الكوميديا الإلهية لدانتي, احتراما وتقديراً لعقلك وفكرك التنويري.
أنت الذي بقيت يا سيدي حاضرا, ويحتفى بك, أو يذكر إسمك ومواقفك العقلانية في العديد من المحافل الفكرية والفلسفية منذ وفاتك (595 هـ - 1198م), في الوقت الذي إن ذكر فيه من حاربك, فهم لا يذكرون إلا بعار ما فعلوه بك.
ماذا أقول لك يا سيد العقل, لم يزل طلاب فكرك ونهجك منذ وفاتك حتى اليوم, وهم يعانون الظلم الذي عانيته أنت من جهلة الدنيا وتجار الدين.. كثير من هاجر منهم أهله ودياره وتشرد.. وكثير من سجن وعذب.. وكثير من منعت كتبه من التداول.. وكثير منهم من قتل وقطعت أوصاله.. هي المأساة ذاتها يا سيدي.. مأساة من يبحث عن الحقيقة من أجل خير وسعادة أمته.. هي المأساة ذاتها ممثلة بأهل النقل ومن يدعمهم من جهلة هذه الأمة بحثاً عن الغنيمة والجاه العابر, ضد أهل العقل الذين لا يريدون إلا تمثل قيم الخير والفضيلة والاستنارة بنور العقل الذي وهبهم الله حتى يكون الناس خلفاء الله على هذه الأرض.
كاتب وباحث من ديرالزور- سورية
d.owaid333d@gmail.com
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء